العدد 1374 / 21-8-2019
أواب إبراهيم

موقفان لافتان صدرا خلال الأيام الماضية عن مسؤوليْن قريبيْن من رئيس الجمهورية. الأول أطلقه النائب شامل روكز "صهر فخامة الرئيس" في مقابلة تلفزيونية، والثاني صدر عن وزير الدفاع الياس بو صعب خلال حفل أقامه الجيش اللبناني في منطقة عبرا.

روكز أكد في المقابلة أن هناك "تقسيم أدوار بين الجيش اللبناني والمقاومة (حزب الله)، فالجيش مهمته ضبط الأمن في الداخل والمحافظة على الاستقرار ومكافحة الإرهاب، ولن يستطيع أحد أن يفتعل شرخاﹰ بين الجيش والمقاومة". لو لم أكشف هوية صاحب التصريح مبكراً لكان يمكن أن يظن القارئ أن قائله هو أمين عام حزب الله، أو أحد نواب الحزب، أو أحد الإعلاميين والمحللين السياسيين الذين يروجون لرؤية الحزب يهتفون له. لكنه صادر عن نائب ماروني في التيار الوطني الحر صاحب شعار (حرية، سيادة، استقلال)، وهو زوج ابنة رئيس الجمهورية، وكان أحد أبرز ضباط الجيش اللبناني حين كان على رأس فوج المغاوير الأقوى والأشرس في المؤسسة العسكرية، وكان مرشحاً ليكون قائداً للجيش اللبناني، وكاد أن يصل لهذا المنصب لولا كيد عديله جبران باسيل الذي قطع عليه الطريق كي يمهد لنفسه طريق قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية عمه.

لكن الواضح أن شامل روكز لم يقطع الأمل بعد بالوصول إلى قصر بعبدا، وهو بدأ بتقديم أوراق اعتماده إلى حزب الله، رغم أن مضمون هذه الأوراق يتناقض مع الدستور الذي ينص على أن مهمة الجيش هي حماية الحدود من الأعداء الخارجيين، وتتناقض كذلك مع عقيدة الجيش القائمة على محاربة العدو الإسرائيلي، وتتناقض أيضاً مع عشرات المواقف الصادرة عن رئيس الجمهورية قبل وصوله إلى قصر بعبدا والتي تدعو إلى حصر السلاح بالجيش اللبناني. لكن كل ذلك يهون الانقلاب عليه إذا كان ثمنه تحسين العلاقة بحارة حريك، ويعبّد الطريق أمامه للوصول إلى قصر بعبدا ليخلف عمّه، علّه يكون خطة بديلة عن جبران باسيل الذي يحترف ارتكاب الأخطاء.

الموقف الثاني صدر عن وزير الدفاع الياس بو صعب خلال رعايته حفل افتتاح ساحة شهداء الجيش في بلدة عبرا التي شهدت اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين للشيخ أحمد الأسير. بوصعب المقرّب من رئيس الجمهورية والذي كان مستشاراً له، لم يجد أسوأ من هذه المناسبة كي يؤكد أنه "ليس هناك عفو عام عن من قتل أو من أطلق الرصاص على الجيش اللبناني، وأي مساومة في هذا الموضوع تعني المساومة على كل الوطن". يقصد بوصعب بحديثه عشرات الشبان من أبناء مدينة صيدا الموقوفين على خلفية أحداث عبرا، الذين لم يحاكموا رغم مرور أكثر من ست سنوات على حصولها، والذين أكدت تقارير حقوقية دولية تعرضهم للتعذيب لانتزاع اعترفات منهم، هذا عدا عن عشرات الأدلة والقرائن التي تؤكد أن طرفاً ثالثاً عمد لإشعال فتيل الاشتباكات في عبرا وشاركت فيها، وأكدها شامل روكز نفسه الذي كان قائداً للقوة العسكرية التي كانت في المكان. كل ذلك لم يلتفت إليه بوصعب، وخالف التوجّه الحكومي بالعمل لإقرار قانون عفو عام يرقّع المخالفات الكثيرة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية في تعذيب الموقوفين، والإهمال القضائي في التأخير بمحاكمتهم، وتجاوز عن كل الأحداث التي تعرض لها الجيش اللبناني في الجنوب والبقاع والتي أدت لمقتل وجرح عشرات الضباط والعناصر خلال مواجهات مسلحة مع مجرمين وقطاع طرق وسارقين وتجار مخدرات. تجاوز عن كل ذلك ولم يجد فيه إساءة لكرامة الجيش والوطن، أما العفو عن موقوفين مظلومين فهذا يطعن في كرامة الجيش والوطن.

إذا كانت المواقف الصادرة عن مقربين من رئيس الجمهورية تعبّر عن فخامته وتعكس رؤيته فهي مصيبة. أما إذا كانت هذه المواقف لاعلاقة لفخامته بها، لكن أصحابها يستغلون قربهم من قصر بعبدا لخدمة مشاريعهم السياسية , حينها تصبح المصيبة أكبر.

أوّاب إبراهيم