العدد 1382 / 16-10-2019
أواب إبراهيم

هم أكبر أقليّة في العالم، وهم أمّة كبيرة ذات تاريخ عريق، يقدّر عددهم حوالي 30 مليون نسمة موزعون بشكل أساسي في مناطق تمتد من إيران مروراً بالعراق وتركيا فسوريا، عدا عن انتشار أعداد أقل في بلدان أخرى كأرمينيا ولبنان. هي خلاصة البحث عن الأكراد الذين يشكلون هذه الأيام مادة إعلامية، بعد قرار تركيا مواجهة بعض الأحزاب الكردية في سوريا التي تصفها أنقرة بالإرهابية.

هي ليست المرة الأولى التي يشكل فيها الأكراد أزمة للمحيطين بهم. ففي تركيا، لايكاد يمر خطاب للرئيس رجب طيب أردوغان إلا ويضمّنه انتقادات واتهامات لهم، رغم حرصه على الفصل بين الأكراد الذين يصفهم بـ "إخواننا"، وبين الأحزاب الكردية الانفصالية. في العراق، في زمن صدام حسين لم يكن صوت الأكراد مسموعاً، لكن بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، علا الصوت الكردي مطالباً بدولته المستقلة، وقد نال الأكراد حكماً ذاتياً في كردستان. في سوريا، علاقة الأكراد بنظام الأسد (الأب والابن) تأرجحت بين العداء وبين الحذر.

مشكلة الأكراد الأزلية مع الدول التي يعيشون على أرضها هي أنهم يطالبون بكيان سياسي خاص بهم. يريدون بقعة جغرافية تجمع قوميتهم ولغتهم وتاريخهم وعاداتهم. فامتدادهم الجغرافي وعددهم يسمحان بذلك، خاصة أن الدول التي يعيشون على أرضها تحرص على طمس وجودهم، وإلغاء لغتهم، وتهميش رموزهم، والتشكيك بولائهم، وعدم الاعترف بأحزابهم، وملاحقة قياداتهم. فلماذا لايكون للكرد دولة أسوة بالآخرين؟ في أوروبا عشرات الدول تجتمع بالتاريخ والامتداد الجغرافي، وللعرب 22 دولة تجتمع بالتاريخ والجغرافيا واللغة، فلماذا لايكون للكرد الذين يجمعهم التاريخ والجغرافيا والقومية والحضارة واللغة والتراث والعادات دولة واحدة يعيشون على أرضها؟!.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قسّم الغرب منطقتنا كما يشاء. ورغم وعوده للأكراد بمنحهم دولتهم المستقلة، لكنه لم يفِ بوعده لهم، وتركهم منتشرون في عدد من الدول. فهل تساءلنا لماذا فعل الغرب ذلك، وهل كان ذلك سهواً أم متعمّداً؟ فعادة يحرص الغرب على التقسيم والتفتيت ما استطاع، لإبقاء بذور الخلاف في الدول التي يتركها، وهو منح جماعات بشرية دولاً لا تستحقها ، فلماذا حال دون أن يكون للكرد دولتهم المستقلة؟!.

الجواب على هذا السؤال يتمثل بالمواجهات العسكرية القائمة في شمال سوريا اليوم، وبالتفجيرات التي تشهدها تركيا بين الحين والآخر، وفي الخلافات السياسية في العراق، وفي كل المحطات التي شهدت صراعاً مع الكرد. فالغرب حرص على إبقاء الجرح الكردي نازفاً لإضعاف الدول التي تركها، وكي يستغلّ ويستخدم مظلمة الأكراد بعدم منحهم دولة ساعة يشاء لتنفيذ مخططاته وتأمين مصالحه، ثمّ يتخلّى عنهم حين تنتفي هذه المصالح، كما فعلت الولايات المتحدة قبل أيام مع أكراد سوريا حين تركتهم لمواجهة مصيرهم في مواجهة الجيش التركي.

للأكراد حق بدولة مستقلة، لكن الدول التي يعيشون فيها ترفض منحهم هذا الحق، وهو موقف مفهوم. فلا يوجد دولة تقبل باقتطاع جزء من أرضها لمنحها لجماعة قومية تعيش فيها. لذلك نفهم رفض تركيا وسوريا وإيران للحلم الكردي، لكن من جهة أخرى، يجب أن نفهم أن الأكراد سيواصلون نضالهم لتحقيق ما يعتبرونه حقاﹰ لهم، وفي مواجهة الرفض والعداء ومحاربة وجودهم ولغتهم وحضارتهم التي تمارسها الدول التي يعيشون عليها، هم مستعدون للتحالف مع كل من يقدم لهم يد العون ولو كانت "إسرائيل"، التي تستغلّهم كما يستغلّهم الآخرون.

ليس من المنتظر أن تقوم الأنظمة بالتبرع للأكراد بدولتهم، لكن المنتظر هو أن تتفهم الشعوب العربية بأن الأكراد ليسوا إرهابيين وليسوا عملاء. فغالبيتهم الساحقة مسلمون سنّة، جاء من أرحامهم صحابة لرسول الله وصلاح الدين الأيوبي وابن تيمية وبديع الزمان النورسي، وهم لايطالبون بأكثر مما يستحقون، وسيظل جرحهم نازفاً، وسيظلون يشكلون تهديداً للدول التي يعيشون فيها، طالما أنهم يتعرضون للتهميش والإهمال والقمع.

أوّاب إبراهيم