العدد 1430 / 30-9-2020

"بكل عرس يجب أن يكون لهم قرص"، مثل لايجد قوماً ينطبق عليهم أكثر من اللبنانيين. فالمصائب والكوارث والأزمات والمشاكل والانهيارات والانفجارات والمعارك والاشتباكات وتفسّخ البنى التحتية، وفساد السلطة، والتلوّث، وانتشار فيروس كورونا، والانهيار الاقتصادي والنقدي، كل ذلك لايحول دون أن يحشر المواطن أنفه بكل ما يجري على هذه الأرض، سواء كان له علاقة به أم لم يكن.

آخر فصول الحشرية اللبنانية غير المفهومة هي إهمال اللبنانيين كل مآسيهم ومعاناتهم ومصائبهم والتفرّغ للتنظير على التوتر الطارئ الذي حصل على مسافة آلاف الكيلو مترات عنهم، في منطقة القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا. أكاد أقسم أنه قبل اندلاع المواجهات العسكرية قبل أيام، كانت الغالبية الساحقة من اللبنانيين لايعرفون أين تقع أذربيجان على الخريطة، ولم يسبق لهم أن سمعوا بإقليم ناغورني كاراباخ. لكن مجرد أن حصلت التوترات العسكرية بين البلدين، شمّر اللبنانيون عن سواعدهم الفكرية، وحرصوا على اقتناء جريدة أو جريدتيْن، وقراءة خبر أو خبرْين، ومقال أو مقاليْن، وبدأوا مشوارهم في التنظير والتحليل وإبداء الرأي والمشورة والتأمّل إزاء الأزمة المستجدة في القوقاز، ويطرحون أنفسهم بين الناس كباحثين في الشأن القوقازي، ومتعمقين بأزمة إقليم كاراباخ.

لم يسبق للبنانيين أن اصطفوا في مكان واحد تجاه أي قضية حتى ولو كان يفترض بها أن تكون جامعة. دائماً هناك أصوات تحرص على نشازها حتى تظهر وتتمايز عن غيرها. هذه المرة لم يخيّب اللبنانيون الآمال، فالموقف تجاه الأزمة في القوقاز أدّى لانقسام بين اللبنانيين. فريق يساند أرمينيا في الدفاع عن الأرض التي احتلتها قبل ثلاثة عقود ويعتبرها حقاً مكتسباً بمرور الزمن، وفريق آخر يساند المسعى الأذري لاسترجاع الإقليم الذي سلبته أرمينيا منه في ظروف دولية معينة وموازين قوى لم تكن مواتية. المشكلة التي واجهت اللبنانيين في البداية أن الرؤية لم تكن واضحة، لذلك استغرقوا بعض الوقت لاتخاذ موقف. فأرمينيا المسيحية مدعومة من إيران الشيعية، وأذربيجان الشيعية مدعومة من تركيا السنية. وبالتالي فإن المسيحيين تردّدوا في تأييد أرمينيا التي تساندها الثورة الإسلامية الإيرانية، كما أن الشيعة تردّدوا في تأييد أذربيجان لأن إيران تساند أرمينيا، في حين تردّد السلمون السنّة في تأييد أذربيجان رغم مساندة تركيا لها لأنها شيعية في الغالب. لكن في الخلاصة، كانت الغلبة للمصالح الدولية على الاختلافات الطائفية. فوقف الشيعة إلى جانب إيران في مساندة أرمينيا، ووقف السنّة إلى جانب تركيا في مساندة أذربيجان. وهذا يؤكد أن النزاعات الطائفية بين الناس، ما هي إلا شمّاعة تستغلها الأنظمة لتجييش الشعوب حين تريد، في حين أن الهدف الحقيقي هو تحقيق المصلحة بعيداً عن الاختلافات الطائفية والأحقاد التاريخية.

لكن السؤال الذي لم نجد جواباً عليه بداية، هو من طلب من اللبناني أن يتخذ موقفاً ويحدد إلى جانب من يقف؟ من قال إن المطلوب من المواطن الغارق بديونه، الحائر في كيفية دفع إيجار بيته وتأمين دواء لمريضه وشراء قرطاسية لابنه مطلوب منه أن يتخذ موقفاً من كل شيء؟ لماذا يحشر اللبناني أنفه في كل ما يحدث على هذه البسيطة، رغم أن ما يجري في لبنان لايهتم به أحد إلا إذا كانت له مصالح يريد تحقيقها؟ لماذا يجب أن يقف اللبناني إلى جانب طرف في مواجهة آخر، وما المصلحة التي سيحصلها من هذا الوقوف، وهل ينقص اللبنانيين خلافات وانقسامات فيما بينهم، حتى يضيفوا إليها المزيد من القضايا التي لاعلاقة لهم بها؟.

لماذا لا يدرك المواطن أن الوقوف إلى جانب أي طرف لن يعود عليه بالنفع، وأن ما يحتاجه هو الجلوس إلى جانب أخيه اللبناني، للتباحث والتعاون في كيفية الخروج من الكوارث التي حلت بهم بسبب السلطة الفاسدة الجاثمة على قلوبهم؟.

أوّاب إبراهيم