أواب إبراهيم

كلمات معدودة وردت في كلمة ألقاها الرئيس التونسي أمام جمع من النساء، أثارت الكثير من الغبار. الباجي قايد السبسي طالب بالمساواة في التوريث بين النساء والرجال، ودعا لإباحة زواج المسلمة بغير المسلم. ورغم أن السبسي أثار قضيتيْن اثنتين، إلا أن الجدل كله تمحور حول القضية الأولى وهي المساواة في التوريث بين الجنسين. لست فقيهاً ولا عالماً كي أعطي وجهة نظر شرعية في الأمر، كما لا يمكنني الجزم في ما إذا كان توزيع الميراث هو أصل من أصول الدين، لكنني أود مقاربة القضية من زاوية اجتماعية دون الاقتراب من المحظورات الشرعية.
الذريعة الأبرز التي يقدّمها مؤيدو المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، هي أن الدنيا تغيّرت، والتفرقة بين الذكر والأنثى لم تعد تتماشى مع الحياة ومتطلباتها. فالمساواة بين الجنسين باتت أمراً واقعاً في شتى مناحي الحياة، والأعباء والمسؤولية لم تعد كما في السابق على عاتق الرجل وحده، فالمرأة شمّرت عن ساعديْها، ونزلت إلى سوق العمل، وزاحمت الرجل في أعماله، وكانت نتيجة ذلك أنها باتت تتحمل كالرجل جزءاً من الأعباء، بل في حالات لم تعد نادرة، المرأة هي التي تنفق على عائلتها والرجل في المنزل يبحث في المجلات الإعلانية عن فرصة عمل يقدم لها سيرته الذاتية، وبالتالي –حسب مؤيدي المساواة- ليس من المنطق أن يتساوى الذكر والأنثى في كل شيء ثم تصطدم الأنثى بتوزيع الميراث لتكتشف أن حصتها تمثل نصف حصة الذكر الذي يساويها في القرابة. فطالما أن الأعباء متساوية على الجنسين، فإن حصتهما من الميراث يجب أن تكون متساوية، ولا يمكن تسمية منح الذكر مثل حظ الأنثيين إلا غبناً لحق بالمرأة. 
اليوم، وبعدما بات البعض يعتبر عمل المرأة أصلاً وليس استثناء، بدأ الحديث عن جدوى التفرقة بين الذكر والأنثى، سواء لناحية التوريث، أو حتى لناحية القوامة. فالقرآن الكريم قرن القوامة بالإنفاق «وبما فضّل الله بعضهم على بعض»، فإذا انتفى الإنفاق ربما يجب إعادة النظر بالقوامة، أقلّه أن تكون مشتركة بين الرجل والمرأة طالما أن الإنفاق مشترك كذلك.
هنا نعود إلى أصل الحكاية ونتساءل: من الذي طلب من المرأة أن تشمّر عن ساعديْها وأن تنزل إلى سوق العمل وتقف إلى جانب الرجل في المطعم والمتجر والسوق، ألم تصل المرأة إلى ذلك نتيجة مطالبات ومناشدات وتوسلات بالسماح لها بالعمل خارج المنزل؟ ألم تكن الذريعة في البداية أن عمل المرأة عنصر مهم في طريق تحقيق ذاتها؟ بعدما ضاقت الظروف الاقتصادية باتت الذريعة أكثر إقناعاً، وهي أن عمل المرأة لا يحقق مصلحة المرأة، بل الهدف منه إعانة الرجل في تحمّل أعباء المنزل، فعلى الأقل تشتري حاجياتها الخاصة من مدخولها بما يخفف عن كاهل الرجل. بدأت الحكاية تطوّعاً ونزولاً عند رغبة المرأة، ولم نسمع يوماً أن رجلاً أرغم زوجته أو ابنته على النزول إلى العمل، أو أنه فرض عليها المساهمة معه في مصروف المنزل، فكل ذلك كان يتم ذوقاً وأدباً من المرأة، وحسناً فعلت.
 لم يعد أحد يجرؤ على الحديث عن أن الأصل هو أن تلزم المرأة منزلها وتهتم بشؤون عائلتها، وترعى أبناءها. فمن يقول كلاماً كهذا هو «دقة قديمة» ولا يعيش الزمن الحالي. لا أحد يجرؤ على القول إن أحد أسباب البطالة المنتشرة بين الرجال وعجزهم عن تحمل مسؤوليات عوائلهم هي مزاحمة النساء لهم في أعمالهم. لا أحد يجرؤ على القول بأن عمل المرأة خارج منزلها سبب أساسي من أسباب الخيانات الزوجية والتفكك العائلي. فهي تقضي مع مديرها وقتاً أطول مما تقضي مع زوجها وأبنائها، وهو يقضي يومه مع سكرتيرته الغنّوجة تلبي طلباته وتعدّ له الشاي والقهوة، الأمر الذي لم تعد زوجته تستطيع القيام به بعدما باتت تصل إلى منزلها متعبة مرهقة من الجهد الذي قدمته في العمل (!!).
للذكر مثل حظ الأنثيين، وقوامة الرجل على المرأة تكون حين يعود الرجل «رجلاً» يقوم بدوره ومسؤولياته دون عون من أحد، وحين تكون المرأة «امرأة» تلتزم قول الله تعالى «وقرن في بيوتكنّ»، ماعدا ذلك، فإننا سنسمع أصواتاً كثيرة تطالب بتأقلم الأحكام الشرعية مع الوضع الشاذ القائم.<