العدد 1410 / 22-4-2020

من الانعكاسات الإيجابية لأزمة فيروس كورونا في لبنان أنها أعادت إلى الواجهة مشروع قانون العفو العام من جديد، بعدما كان السياسيون ناموا عليه في أدراجهم. خاصة أن صلاحيته للاستخدام والاستغلال انتهت بانتهاء الانتخابات النيابية. فلقانون العفو تأثير السحر على الناخبين والمناصرين والمؤيدين لاستدرار عواطفهم وهم الذين لايريدون أكثر من خروج أحبائهم من السجن. عودة العفو العام للواجهة هذه المرة، أرادت من خلاله السلطة هذه المرة ضرب عصفورين بحجر واحد. الأول هو تخفيف الاكتظاظ والازدحام في السجون، خاصة في ظل جائحة كورونا التي في حال تسلّلها إلى السجون –لا قدر الله- فإن عدوى الفيروس قد تصيب آلاف السجناء. وقد بادرت العديد من الدول التي انتشر فيها الفيروس على إطلاق سراح الآلاف من سجونها خشية تحمّلها مسؤولية انتشاره بين السجناء، ودون اضطرارها لإصدار قانون عفو. أما العصفور الثاني فهو الاستجابة لمطلب القوى السياسية التي كانت وعدت قواعدها الشعبية بأنها ستعمل على إقرار العفو العام وأخلفت في وعدها. فلعلّها فرصة قد لاتتكرر بأن تصدق هذه القوى مع جماهيرها وتفي بوعد قطعته لها ولو لمرة واحدة.

مواقف الكتل النيابية والنوّاب المستقلين تنوّعت بين مؤيّد للقانون بالمطلق من منطلقات حقوقية وإنسانية وقانونية، وبين مؤيّد للقانون لكن شريطة أن يكون العفو على مقاس قواعده ومناصريه، ويرفض أن يكون على مقاس مناصري غيره، وثالث يرفض قانون العفو طالما أنه لن يستفيد انتخابياً من ورائه، فكان الخيار بالنسبة له عرقلة إقرار القانون علّ ذلك يعزّز جماهيريته.

الأصوات الرافضة لإقرار القانون لا تعلن أسبابها الحقيقية التي تقف وراء موقفها، بل تُعلن موقفاً شعبوياً يدغدغ عواطف بعض اللبنانيين، ومفاده رفض إقرار عفو يستفيد منه من اعتدى على الجيش اللبناني. لا يكتفي هؤلاء بهذا الاستثناء بل يوسعون دائرة الرفض ليشمل كل من خطّط وشارك وحرّض على الجيش اللبناني.

إذا ما دخلت مع هؤلاء بالتفاصيل تجد أنهم لايهتمون بالجيش وكرامة عناصره، لكنهم يضعون نصب أعينهم قضايا وأحداث بعينها، ويرفضون أن يشمل العفو الذين تسببوا بهذه الأحداث. فإذا ما سألتهم هل يشمل العفو الذي قتل الضابط سامر حنّا على أرض الجنوب تجدهم عضّوا على شفاههم، وإذا ما سألتهم هل يشمل العفو الذين يتسببون بقتل وجرح عناصر من الجيش في مواجهات مسلحة في مناطق بعلبك الهرمل، وإذا ما سألتهم عن عملاء "إسرائيل" الذين قتلوا وعذّبوا مواطنين لبنانيين وخانوا وطنهم وعملوا لصالح عدو غاصب تجدهم يحاولون تغيير الموضوع..

ليس لأحد أن يفرض شروطاً على أحد. وإن كان من مصلحة للسلطة بإقرار عفو عام فليكن عامّاً دون استثناءات، وإذا أصرت بعض القوى على فرض استثناءاتها فلتكن هذه الاستثناءات مبنيّة على معيار واحد غير مفصّل على قياس فريق أو جهة أو طائفة. فليس مسموحاً أن يتم استثناء المشاركة في الجرائم التي تتسبب بإشعال فتنة طائفية، فهو يشمل المجرم ميشال سماحة الذي كان ينقل متفجرات من النظام السوري لتنفيذ تفجيرات متنقلة، ولا استثناء للمتهمين بارتكاب جرائم ترويع للآمنين وهذا يشمل رفعت عيد الذي ثبت ضلوعه بجريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس التي تسببت باستشهاد العشرات، أو أن يتم استثناء المطلوبين بمئات مذكرات التوقيف الذين يقتلون ويجرحون عناصر الجيش كل يوم خلال ملاحقتهم.

قانون العفو العام فكرة إيجابية تقوم على فتح صفحة جديدة، أما إذا أراد البعض من هذا القانون الاستمرار بحقده وبغضه للآخرين فلا بأس. لكن ان كان من استثناء، فليشمل كذلك عملاء "إسرائيل"، وكل من سهّل هروبهم وساعدهم وساندهم، ولتتم محاكمة كل من سهّل دخول العميل عامر الفاخوري إلى لبنان، وكل من فاوض لإطلاق سراحه، وكل من ضغط لإخلاء سبيله، وكل من تغاضى عن خروجه من السجن، فأرواح المقاومين الشرفاء التي أزهقها عامر الفاخوري في معتقل الخيام ليست أرخص من دماء غيرها.

ربما إذا طبّق هذا الاستثناء لقانون العفو، فلن نجد مسؤولاً في الدولة خارج السجن.

أوّاب إبراهيم