أواب إبراهيم

على بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية، انشغلت وسائل الإعلام المختلفة في تسليط الضوء على الخرائط الانتخابية للقوى والأحزاب والشخصيات البارزة في مختلف الدوائر الانتخابية، وبدأ الحديث عن المرشحين والتحالفات الجارية بين مختلف الأطراف تحضيراً لخوض الانتخابات. ولا تستثني الاتصالات كل من يملك حيثية انتخابية، خاصة أن جميع الأطراف حريص على حشد أكبر عدد من الأصوات لتأمين الحاصل الانتخابي الضروري وكذلك الأصوات التفضيلية. الغائب الأكبر عن هذه الزحمة الانتخابية هي القوى والجمعيات والعلماء والشخصيات الإسلامية، أو من يمكن اختصارهم باسم «الحالة الإسلامية».
ففي لبنان ليس هناك إسلاميون بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، بل هناك حالة إسلامية محافظة ملتزمة لا تريد أكثر من أن لا يتم الاعتداء عليها أو الانتقاص من كرامتها أو الإساءة إلى رموزها. هذه الحالة ليست فقط جماعة أو حزباً أو هيئة أو معهداً دينياً يتبعون رؤية أو نهجاً واحداً، فبينهم سلفيون وصوفيون وحركيون، أو من يُطلق عليهم اسم «الإسلام السياسي»، وتحت راية هؤلاء تتحرك العديد من الجمعيات والهيئات الأخرى التي تجمعهم مصلحة الوطن ومصلحة المسلمين. 
الحالة الإسلامية هذه ما زالت مغيّبة عن الساحة اللبنانية، رغم أنها تمثل شريحة واسعة من المسلمين. هذا التغييب يعود لسببين: الأول هو أن تركيبة الحكم في لبنان لا ترغب بأن تطفو على السطح حالة إسلامية تحجز مكاناً لها إلى جانبها. فالبعض يريد أن يحتكر تمثيل الطوائف والتحدث باسمها، والبعض الآخر حريص على تقديم صورة لبنان العلماني المنفتح على الغرب، ويسعى من أجل ذلك على طمس أي محاولة لظهور اللبنانيين المحافظين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. السبب الثاني لتغييب الحالة الإسلامية وعدم وجودها في المكان الذي تستحق، هو فرقة هذه الحالة في ما بينها وتفرقها وتشرذمها وتبعثرها. 
اليوم، الحالة الإسلامية في لبنان أمام استحقاق مهم، يتمثل في الانتخابات النيابية التي تشكل فرصة ذهبية كي تثبت حضورها وتؤكد حجمها وتحجز مكاناً لها في الصف الأول. فلاعذر للحالة الإسلامية بعد اليوم أن تشتكي من تغييبها وإهمالها وترصدها، لأن الفرصة بين يديها في إثبات وجودها، خاصة أن القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات المقبلة قد لا يكون مثالياً، لكنه على الأقل سيعكس الحجم الحقيقي لهذه الحالة، وسيمنحها فرصة التمثل بخلاف القانون الأكثري السابق الذي كان أحد أهدافه تحجيم الحالة الإسلامية وعدم السماح لها بالتمثل في الندوة البرلمانية، أو أن تتمثل تحت جناح القوى السياسية الأخرى.
خوض الانتخابات والنجاح فيها يجب أن يكون هدفاً أساسياً للحالة الإسلامية، لكنه ليس الهدف الوحيد، فحتى لو لم يكتب النجاح لأي من مرشحيها بالوصول إلى الندوة البرلمانية، فإنها تكون بذلك حققت أهدافاً أخرى لاتقل أهمية. فالانتخابات - أياً كانت نتائجها - ستكشف عن الأحجام الحقيقية لمختلف الأطراف الفائزة منها والخاسرة، وإذا أثبتت الحالة الإسلامية حضورها في الانتخابات -ولو لم ينجح مرشحوها- فإن التعاطي معها سيكون مختلفاً، ولن يكون سهلاً بعد ذلك تجاهلها أو الإساءة إليها، وهي ستثبّت نفسها طرفاً انتخابياً في أي استحقاق انتخابي مقبل، وستكون مقصد المرشحين للتحالف معها.
أما الهدف الآخر، فهو أن خوض الانتخابات النيابية سيشكل فرصة للحالة الإسلامية لتقدم أفكارها ورؤاها للبنانيين وللعالم، ولتدحض الكثير من الاتهامات الباطلة التي نجح البعض بإلصاقها بها. فالانتخابات محطة للتلاقي بين القوى والأحزاب والمرشحين من مختلف الطوائف والمشارب، والحوار معهم والتواصل عن قرب بعيداً عن الصور النمطية المسبقة، وهي ستشكل فرصة لتوضيح ما شوّهته وسائل الإعلام وتصرفات البعض.
الكرة في ملعب الحالة الإسلامية لتوحد صفوفها ولتتفق في ما بينها على مرشح أو مرشحين يمثلونها في مختلف المناطق والدوائر التي تملك فيها قوة انتخابية تؤهلها للنجاح، أو تؤهلها للتفاوض مع المرشحين القادرين على النجاح.