أواب إبراهيم

بخجل ومواربة، تداول كثيرون خبر مقتل عدد من اللاجئين السوريين بعد توقيفهم في مراكز الاعتقال التابعة للجيش اللبناني. البيان الصادر عن الجيش أقر بوفاة أربعة لاجئين، قال إنهم توفوا «بسبب مشاكل صحية مزمنة تفاعلت نتيجة الأحوال المناخية». رواية لم تقنع حتى أصحابها، لكننا لم نسمع أي موقف رسمي يطالب بالتوضيح. الجميع اكتفى بالغمز واللمز والتساؤل عن غموض بيان الجيش. هذا الغموض الذي دفع صحيفة الأخبار المقربة من حزب الله والداعمة «عالعمياني» للجيش اللبناني في حربه على الإرهاب، دفعها إلى كتابة مقال تحت عنوان «التحقيق واجب لأجل الجيش». فحتى الأخبار لم «تبلع» رواية الجيش حول المشاكل الصحيّة المزمنة التي تفاعلت نتيجة الأحوال المناخية. فالنازحون الذين توفوا كانوا يعيشون في خيام في العراء، تحت أشعة شمس لاهبة، في ظروف إنسانية سيئة، فكيف تكون الأحوال المناخية في مراكز الاعتقال سبباً في وفاتهم، طالما أن الأحوال المناخية التي يعيشون فيها كانت الأسوأ.. اللهم إلا إذا كان بيان الجيش يقصد بالأحوال المناخية صنوف التعذيب التي تعرض لها الموقوفون، وهو يطبق أوصاف دلع على «الفلق» و«الفروج» و«البلانغو» والصعق بالكهرباء، ويصفها بالأحوال المناخية والمشاكل الصحية.
ليست المرة الأولى التي توجّه فيها أصابع الاتهام للجيش بسبب ارتكاب انتهاكات ومخالفات تصل حد الجرائم خلال قيام عناصر الجيش بمهامهم، ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة، بما أن هذه الانتهاكات تلقى من كثير من اللبنانيين الترحيب والتصفيق، ويرفضون حتى إجراء التحقيق في ما يقوم به الجيش، ولا يحفظون إلا عبارة «الجيش خط أحمر»، ووصل الأمر بالأبواق المعروفة بزعيقها التهديد بمحاسبة أي شخص ينتقد مداهمات الجيش اللبناني وقتله للاجئين السوريين، سواء خلال المداهمات أو تحت التعذيب. واعتبر أحد الناعقين في تصريح له أن تصرف الجيش وقتله للاجئين السوريين واعتقالهم ثم قتلهم أيضاً تحت التعذيب أمر طبيعي. هذا المستوى من الإسفاف لم يصدر عن جهة أو حزب أو محور أو فريق، فقد سمعنا من مختلف الأطياف تبريرات لما قام به الجيش ورفض توجيه أي انتقاد له، ظالماً كان أو مظلوماً. 
مع احترامنا وتقديرنا للخط الأحمر الذي يرسمه البعض حول الجيش، لكن الخط لاينفي معلومات مثبتة في العديد من تقارير الجمعيات الحقوقية الدولية، التي وثّقت وفصّلت عن صنوف التعذيب التي يتعرض لها الموقوفون في مراكز التحقيق في لبنان، سواء كانوا بعهدة الجيش أو الأجهزة الأمنية الأخرى. وإذا كان البعض يشكك بمصداقية  هذه التقارير، فهل يتم التشكيك برواية قائد فوج المغاوير السابق صهر رئيس الجمهورية العميد شامل روكز الذي أقرّ في مقابلة مع قناة الجزيرة قبل أشهر بارتكاب عناصر الجيش انتهاكات وتعذيب الموقوفين على خلفية أحداث عبرا. هذا إذا أردنا تجاهل الصور وأفلام الفيديو التي رصدت قيام عناصر من الجيش بضرب وسحل عدد من الموقوفين. وبما أننا نتحدث عن أحداث عبرا، فلا يفوتنا التذكير بوفاة المواطن الصيداوي نادر البيومي تحت التعذيب بعدما تم استدعاؤه من قبل مخابرات الجيش للتحقيق معه. وصور بيومي بعد وفاته كشفت بشكل لا لبس فيه ما تعرض له قبل وفاته من صنوف التعذيب. وبما أننا نتحدث عما يتعرض له الموقوفون خلال التحقيق، من المناسب التذكير أيضاً بمقتل المواطن البقاعي إسماعيل الخطيب تحت التعذيب. 
نحن إذاً لانتحدث عن أمر غريب وطارئ. فالواضح أن ارتكاب التعذيب في مراكز التوقيف وانتهاك الكرامات خلال التوقيف نهج قديم ومتواصل، وهو باق ويتمدّد، طالما أن أحداً لم يرفع الصوت للاحتجاج، أو أقلّه للمطالبة بإجراء تحقيق بما يجري داخل مراكز التوقيف ومحاسبة المخلفان.
لا خطوط حمراً حين يتم تجاوز القانون، لا خطوط حمراً حين يتم انتهاك كرامات العباد وإنسانيتهم، لاخطوط حمراً حين يكون الاعتداء على النازحين والإجهاز عليهم في مراكز التوقيف والحرص على إهانتهم سبباً في تنامي الإرهاب والحقد على المؤسسة العسكرية والسعي للانتقام منها.>