العدد 1437 / 18-11-2020

الدولة منهوبة، السياسيون فاسدون، المسؤولون سارقين، القضاء منحاز، الأجهزة الأمنية استنسابية في تطبيق القانون، الإدارة مليئة بالمحسوبيات والرشاوى والسرقات والتوظيف العشوائي. اتهامات نسمعها كل يوم من معظم اللبنانيين، تتكرر كل يوم دون متابعة. فجمهور كل فريق سياسي يتهم الفريق الآخر بالتسبب بجميع مشاكل وأزمات ومصائب البلد، ويبرّئ زعيمه وينزّهه من كل شائبة. إحدى القنوات التلفزيونية أعدت قبل أشهر تقريراً تضمن شهادات مواطنين حول من يتهمونه بمشكلات البلد، وكان لافتاً أن كل من التقاهم معدّ التقرير كان يبدأ حديثه باتهام الطبقة السياسية مجتمعة رافعاً شعار "كلّن يعني كلّن"، لكن عند البدء بتعداد المسؤولين واحداً واحداً يتلعثم ويتردد ويبحث عن وسيلة لإخراج زعيمه من قائمة "كلّن يعني كلّن"، لتصبح "كلّن إلا زعيمي".

اتهامات كثيرة ومتنوعة تزخر فيها ألسن اللبنانيين للطبقة السياسية، بعضها منطقي والآخر لا أساس له. اعتاد المواطن تحميل السلطة وزر كل شيء، فقط كي يرتاح نفسياً. فالدولة مسؤولة عن كل شيء، إذا تأخر هطول المطر يجتمع المزارعون مطالبين الدولة بالتعويض بسبب تلف محصولهم، إذا أمطرت بغزارة يجتمع المزارعون أنفسهم مطالبين الدولة بالتعويض بعدما غرقت محاصيلهم، إذا شبّت حرائق في الأحراج والغابات خرج المواطنون صارخين "وينية الدولة"، رغم أن اندلاع الحرائق يحصل كل عام في فترة معروفة وفي الكثير من دول العالم، إذا أعلنت السلطة حظر التجوّل للسيطرة على انتشار وباء كورونا خرج من يسخر من قرار السلطة، وتساءل: كيف سيؤمّن المواطن لقمة عيشه إذا كان محظوراً من التجوّل؟ إذا تراجعت السلطة عن قرار حظر التجوّل خرج من يسخر من قرار الحكومة وينتقد تقاعس السلطة عن مواجهة انتشار كورونا بين اللبنانيين، إذا ارتفع سعر صرف الليرة تعلو الصرخة، إذا انخفض سعر الصرف تعلو صرخة صامتة من آخرين يعيشون من المتاجرة بالعملة واحتكارها...

صراخ لا طائل منه اعتاد عليه المواطن لتنفيس الاحتقان الذي يشعر به كلما أصابته مشكلة أو أزمة. فيصرخ ويشتم ويتهم السلطة والمسؤولين وحاشيتهم بالفساد والسرقة والنهب ثم يعود للصمت دون القيام بأي إجراء قد يغيّر الواقع المزري الذي يعيشه.

ليس صحيحاً أن الفساد والسرقة والنهب الذي يرتكبه رجال السلطة مستتراً ويستحيل كشفه. شاشات التلفزة اللبنانية ومواقع إلكترونية تعرض كل يوم معلومات موثّقة بالأدلّة والوثائق والأسماء عن مسارب هدر وفساد وسرقة وتوظيف سياسي في مؤسسات الدولة وإداراتها، تكبّد خزينة الدولة مليارات الليرات كل عام. معلومات ووثائق دامغة تدين كبار المسؤولين، لكن تذهب هذه المعلومات والأرقام والجهد الذي بذلته وسائل الإعلام سدى في ظل تقاعس اللبنانيين وانكفائهم عن تحصيل حقوقهم، أو سعيهم لمحاسبة المسؤولين عن الحال الذي وصلوا إليه. وقد وصلت وقاحة المسؤولين الذين تكشف المعلومات فسادهم أنهم لايضطرون للنفي أو التبرير أو الإنكار، فهم يدركون أن جمهورهم من المصفقين والمهللين لن يصدقوا إلا ما يقولونه هم. أما جمهور الفريق الآخر فيكفي اتهامه بالكيدية والتحامل والافتراء لدحض الاتهامات.

بإمكان اللبنانيين أن يصرخوا وأن يندبوا حظهم كل يوم لكن هذا الصراخ والندب لن يؤمن ربطة خبز. ما يساعد في تأمين ربطة الخبز هو كسر اللبنانيين لأصنام الزعامات الطائفية التي نصبوها فوق رؤوسهم. فالفساد في كثير من جوانبه معروف والمسؤولون عنه معروفين أيضاً، وقد بلغ العتوّ بالفاسدين أنهم لم يعودوا يعبأون بالاتهامات الموجهة لهم، لأنهم خلال عقود ربّوا قطيعاً من الغنم لا يردد إلا ما يريد الزعيم. وسيبقى هذا القطيع قطيعاً طالما أنه لا يريد تغيير واقعه.

أوّاب إبراهيم