أواب إبراهيم

كل بضعة أيام نسمع عن نجاح الأجهزة الأمنية بالقبض على شخص ينتمي لتنظيم داعش أو غيره. بعد أيام يقضيها الموقوف في زنزانة، الله يعلم أين تكون، ويخضع لتعذيب الله أعلم به، تتم إحالته إلى القضاء العسكري الذي بات مختصاً بكل شيء.
بالتزامن مع الإحالة إلى القضاء تعمد الأجهزة الأمنية إلى توزيع بيان إعلامي تكشف فيه عن مضمون التحقيقات التي أجرتها مع الموقوف، فتصدر حكمها بالإدانة، وتُلزم القاضي الذي يُحال إليه الموقوف التحرك ضمن ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية، حتى ولو كانت الإفادة التي أدلى بها الموقوف جاءت تحت التعذيب والترهيب.
هي مخالفة صارخة وواضحة للقانون، اعتادتها مختلف الأجهزة الأمنية في الآونة الأخيرة دون أن نسمع صوتاً يستنكر هذا الأداء، ويطلب منها الالتزام بدورها. فالأجهزة الأمنية هي ضابطة عدلية مكلفة من القضاء المختص وتحت إشرافه بإجراء تحقيقات أولية مع الموقوف بانتظار إحالته إلى المحكمة، هي سلطة تنفيذية وليست صاحبة رأي، وليس لها إصدار أحكام. علاوة على ذلك، فالتحقيقات سرية، ولايجب الإفصاح عن مضمونها لسببين: الأول هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل القضاء المختص وليس من قبل مخابرات الجيش أو فرع المعلومات أو الأمن العام، والثاني حرصاً على سلامة استكمال التحقيق. فكيف سيكون الحال إذا تبيّن لاحقاً أن الاتهامات التي توصلت إليها الأجهزة الأمنية ونشرت وسرّبت هذه الاتهامات على الملأ لاصحة لها، أو أنها أخذت من الموقوف تحت التعذيب، أو.. من يعوّض للموقوف سمعته التي لطختها الأجهزة الأمنية؟! 
آخر حلقات تجاوز الأجهزة الأمنية صدر من مخابرات الجيش قبل يومين، حين أصدرت بياناً إعلامياً كشفت فيه عن الجرائم التي ارتكبها الموقوف عماد ياسين. لم ينس البيان الإشارة إلى أنه تمت إحالة الموقوف للقضاء المختص. يبقى السؤال: ما الحاجة للقضاء طالما أن المخابرات أصدرت حكمها المبرم وأعلنته على الملأ، هل يجرؤ قاض على تبرئة الموقوف إذا تبين له بطلان الاتهامات المُساقة إليه في ظل المعلومات التي تم الكشف عنها؟ ألن يُقال بأن القاضي برّأ مجرماً ولو تبيّن كذب الاتهامات؟ هل باتت وظيفة القاضي تنفيذ الأحكام الصادرة عن الأجهزة الأمنية، أم أن الأصل هو أن تلتزم الأجهزة بدورها وتقدم خلاصة تحقيقاتها الأولية بسرية للقاضي الذي ينظر في مدى صحة هذه التحقيقات ويستكملها للوصول إلى القناعة الكاملة التي يبني عليها حكمه؟
الأمر نفسه حصل قبل أسابيع مع المفتي الدكتور بسام الطراس، حين تم توقيفه من قبل الأمن العام بالتزامن مع تسريبات تشير إلى علاقة الشيخ بمتورطين في تنفيذ تفجير كسارة في زحلة. أتبع الأمن العام تسريباته ببيان رسمي ضمّنه مضمون التحقيقات «السرية». لكن ونتيجة التوتر الذي أحدثه توقيف الطراس، توجّه القاضي بنفسه إلى نظارة الأمن العام واستمع لإفادة الطراس، ولمّا لم يجد ما يستدعي التوقيف أمر بتركه بسند إقامة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وكما بات معلوماً استلم الدفّة فرع المعلومات الذي أوقف الشيخ طراس مرة ثانية، مترافقاً مع ضخّ جديد للتسريبات. هذه المرة لم يعد الأمر متعلقاً بتفجير كسارة، بل بعلاقة الطراس بمسؤولين بتنظيم داعش، وتحضيره ليكون أميراً للتنظيم في منطقة البقاع، وذاكرة مشفّرة، وخطوط خلوية، وكلمات سرّ، واجتماعات في تركيا.. وغيرها من التسريبات الأمنية التي تقاسمتها وسائل الإعلام. ما حصل لدى الأمن العام تكرر لدى فرع المعلومات، فبعدما استمع قاضي التحقيق بنفسه لإفادة الطراس لم يجد داعياً لاستمرار توقيفه وأمر بتركه، إلا أن مفوض الحكومة استأنف القرار نظراً للجو الإعلامي الذي أشاعته التسريبات، فأبقاه موقوفاً. 
لبنان الوحيد في العالم الذي يحقّق القضاة مع الموقوفين بعد إصدار الأجهزة الأمنية لأحكامها.