العدد 1377 / 11-9-2019
أواب إبراهيم

خبر من كلمات معدودة بثته الوكالة الوطنية للإعلام، لا يفترض أن يتوقف عنده أحد. يقول الخبر إن "مخابرات الجيش اللبناني أوقفت سليم يحيى العر نجل المطلوب يحيى العر التابع لتنظيم "جند الشام" في تعمير عين الحلوة وذلك بجرم مخدرات".

بما أن إدارة "الأمان" طلبت منّي تجنّب الكتابة حول مواضيع حساسة، وعدم إبداء مواقف سياسية قاسية، نظراً للأوضاع الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة، وأن "البلد مش ناقصها خلافات"، فإنني سأفرد كلماتي التالية لتشريح الخبر أعلاه الذي لايلفت اهتمام أحد، لكن جوانب معينة لفتتني بالخبر وأردت أن أشارك القارئ بها.

أولاً يجب الاتفاق بأن الوكالة الوطنية للإعلام التي بثت الخبر، هي وسيلة إعلامية رسمية تتبع الدولة اللبنانية، يتم اقتطاع ميزانيتها من ميزانية وزارة الاعلام، وبالتالي من جيوب اللبنانيين، ويفترض أنها تمثل وجهة النظر الرسمية للدولة، وهذا يعني أن عليها تحرّي أقصى درجات الدقة والمهنية واحترام القانون في نقل أخبارها، بعيداً عن أي اصطفافات سياسية أو عن أي سبق صحفي مع وسائل الإعلام الأخرى.

ثانياً، المعروف والمتبع أن إعلان توقيف الأجهزة الأمنية لأحد المطلوبين لايكون بالإفصاح عن اسم المطلوب، وعند الضرورة يتم الاكتفاء بالأحرف الأولى من اسمه واسم عائلته، حرصاً على عدم التشهير والإساءة به، خاصة أن الإدانة لم تحصل بعد. فلماذا في هذه الحالة تم الإعلان عن الاسم الصريح للموقوف، ليس هذا فحسب، بل تمّ الإعلان عن اسمه والده، فما الغاية من الربط بينه وبين والده المطلوب بتهمة أخرى لا علاقة لها بتهمة الابن، ومن يعوّض للابن كرامته إذا ما تمّت براءته من التهمة المنسوبة إليه ؟ أم أن كرامات بعض الناس لاقيمة لها بالنسبة للدولة؟!. ثمّ إن الخبر أشار إلى أن سبب توقيف الابن هو ارتكابه جرم مخدرات، في حين أن القانون لايتحدث عن شيء اسمه "مخدرات". فإما أن يكون الأمر متعلقاً بتعاطي مخدرات وهذا لم يعد جرماً ولا يستدعي التوقيف، ويذكر اللبنانيون أن فنانة مشهورة ضُبطت في مطار بيروت بحوزتها كمية من المخدرات، ولم يتم توقيفها ساعة واحدة، وإما أن يكون الجرم متعلقاً بالاتجار بالمخدرات، لكن الخبر لم يوضح الجرم المرتكب، وهذه غلطة أخرى يتم ارتكابها.

ثالثاً، تقوم الأجهزة الأمنية يومياً بتوقيف عشرات المطلوبين للقضاء لارتكابهم جرائم مختلفة، ولا يتم الإعلان عن هذه التوقيفات أو هويات أصحابها، أولاً لأن الخبر لايستحق الاهتمام، وثانياً لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. والجهة المعنية بإدانة المتهم أو إعلان براءته هي القضاء، وليست مخابرات الجيش أو أي جهاز أمني آخر. فدور الأجهزة الأمنية حسب القانون هي أن تكون "ضابطة عدلية" تقوم بتسليم من يتم توقيفهم للجهة القضائية المعنية، التي لها وحدها البتّ في مصير الموقوف. فبأي حق يعلن جهاز أمني الجرم النسوب للمتهم قبل إحالته للقضاء؟.

الأمر الآخر المريب في الخبر، هو أن مخابرات الجيش أوقفت نجل أحد المطلوبين التابعين لتنظيم "جند الشام" بجرم مخدرات، وهذا يطرح التباساً خطيراً حول الدافع الحقيقي للتوقيف. فهل السبب هو أنه نجل أحد المطلوبين، أم لارتكابه جرم مخدرات؟! وهل بعد توقيفه سيتم التحقيق معه لتقديم معلومات حول والده المطلوب للقضاء، أم أن التحقيق سيقتصر على جرم المخدرات الذي شكل المبرر لتوقيفه، أم أن الأجهزة الأمنية استغلّت ارتكاب جرم المخدرات للضغط على والده وابتزازه؟!.

في جميع الأحوال هناك مشكلة كبيرة. فالربط بين الابن ووالده في الإدانة يخالف القانون والأخلاق وحقوق الانسان والأديان السماوية. فما ذنب الابن إذا كان والده مطلوباً للقضاء، ولماذا الربط بين الأب وابنه طالما أن التهمة الموجهة لأحدهما لاعلاقة لها بالآخر، اللهم إلا إذا كان توقيف الابن تمّ بهدف الوصول للأب، حينها لا نكون أمام دولة قانون، بل دولة مزرعة.

أخطر ما في الأمر، أن كل التجاوزات التي تطرقت إليها أعلاه لاتجد من يرفع الصوت لإدانتها أو أقلّه الإشارة إليها.

أوّاب إبراهيم