العدد 1347 / 30-1-2019
أواب إبراهيم

من نِعم الله على بلدة فنيدق في عكار أن رئيس بلديتها أصدر قراراً قضى بمنع بيع واحتساء الخمور (هم أطلقوا عليها اسم المشروبات الكحولية أو الروحية) في الأماكن العامة بالبلدة وكذلك في منطقة القمّوعة. نعمة الله على البلدة لاتنحصر فقط في أن القرار سيحميها وأبناءها من أضرار هذه الآفة الصحية والأخلاقية والاجتماعية وطبعاً الدينية، بل لأن شريحة واسعة من اللبنانيين أدركت أن على خارطة لبنان توجد بلدة اسمها فنيدق، ويتبع لها سهل اسمه القمّوعة، وهي منطقة من أجمل البقاع في لبنان لما تتمتع به من طبيعة خلاّبة.

كان أبناء فنيدق يتوقعون أن تلتفت إليهم الأجهزة المعنية في الدولة ومعها وسائل الإعلام لمعالجة البنية التحتية المهترئة التي تعاني منها المنطقة. فالطرقات لم تعرف الزفت منذ عقود حتى لانتخابي منه، والحفر التي تعترض سالكيها أكثر من أن تعد، عدا عن اهتراء تمديدات الكهرباء والماء، والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي.

أبناء فنيدق كانوا ينتظرون كذلك أن يتم الالتفات لمنطقتهم من وزارة السياحة لتكريسها وجهة يتم الترويج لها, فكمية الثلوج المتراكمة بسهولها وجبالها تنافس ما هو متوفر في منتجعات فاريا وفقرا وكفر ذبيان، والمنطقة مؤهلة لتكون مقصداً لهواة التزلج، إضافة للراغبين في التنعّم في ظل طبيعة خلابة لم تعبث بها يد البشر.

لكن لا طبيعة المنطقة الخلابة لفتت المعنيين، ولا الحرمان والإهمال الذي تعاني منه. ما لفت بعض اللبنانيين إلى هذه المنطقة النائية المهملة هو قرار منع احتساء وبيع الخمور الصادر عن بلديتها. فاستنفرت وسائل الإعلام، وتحرك بعض المنادين بالحرية، ونشط بعض السياسيين ليدبّوا الصوت وقرع جرس إنذار بسبب تهديد العيش المشترك.

بعضهم شكّك بقانونية القرار الصادر عن البلدية، وأنه ليس من صلاحية البلدية إصدار قرار مشابه، يقيّد الحريات ويسيء للتنوع الطائفي الذي يتميز به لبنان، علماً أن القرار الصادر عن البلدية استند إلى عريضة وقّعها المئات من أبناء المنطقة بعدما شاع رمي زجاجات الخمرة ليلاً، وتسكع المخمورين في الأحياء.

المشككون بقانونية القرار لم نسمع لهم صوتا حين بادرت العديد من بلديات الجنوب لإصدار قرار مشابه قبل مدة. فبلديات الجنوب تتبع إما لحزب الله أو لحركة أمل، وليس من المناسب التحرش بهؤلاء لأن لهم أظافر تخرمش. فلم نسمع من يتساءل عن قانونية القرار حينها، ولم نسمع من يندد وينعي الحرية وتميز لبنان وتنوعه، كلهم التزموا الصمت. كما أن أحداً لم يتساءل حول قانونية قرار بعض البلديات بمنع المحجبات من النزول إلى البحر، وهو قرار مازال سارياً. أما قرية نائية في عكار لاظهر يسندها، ولاوسيلة إعلامية تدافع عن وجهة نظرها، فهي فريسة للنقد والتجريح .

ثم ما هذه الغيرة المفاجئة على تطبيق قانون بلدي يمس بلدة نائية لم يسمع أحد بها. فأين القانون حين منع الأمن العام وفداً من رجال الأعمال الليبيين من الدخول إلى لبنان رغم حيازتهم تأشيرة دخول، وأين القانون في تهديد دولة عربية من المشاركة في القمة الاقتصادية في ظل صمت المسؤولين في الدولة القوية، وأين القانون في توقيف وتعذيب الأجهزة الأمنية لمئات الموقوفين في السجون، وأين القانون في تأخير تشكيل الحكومة كل هذه المدة، وأين القانون في ملفات الفساد المتراكمة كالنفايات والكهرباء والماء والهاتف والضمان الاجتماعي وغيرها الكثير التي فاضت بمخالفة القوانين؟!.

في مثل هذه الأيام قبل ست سنوات توجّه الشيخ أحمد الأسير والعشرات من مؤيديه وعوائلهم وأطفالهم في رحلة ترفيهية إلى منطقة فاريا للهو بالثلج، ليفاجأوا بقطع الطريق بالصخور في منطقة كفر ذبيان وتجمهر عشرات الشبان لمنعهم من مواصلة طريقهم، وتضامن مع المحتجين نواب وسياسيون. لم ينتبه أحد يومها إلى أن ما يقومون به إساءة لفرادة لبنان وتنوّعه وتميزه، ولم تلتفت وسائل الإعلام الغيورة بمخالفة القانون وقمع الحريات. لكن اليوم، فجأة صرنا في المدينة الفاضلة، ولم يعد هناك مخالفة للقانون سوى قرار بلدي في قرية نائية؟!.

أوّاب إبراهيم