أواب إبراهيم

قبل أيام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان برسائل صوتية مختلفة، يبدو من لهجة المتحدثين فيها الجدّية والصرامة، يخبرون فيها السامعين بأن الساعات الأربع والعشرين القادمة ستشهد تفجيرات إرهابية، خاصة في المجمّعات التجارية. وقد وثّق أصحاب هذه المقاطع الصوتية معلوماتهم بأنها وصلتهم من جهة عليا أو من شخصية هامة أو من جهاز أمني.
قبل أيام كذلك، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أخباراً منقولة عن مواقع إلكترونية عديدة، تشير إلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد سيعلن خلال ساعات عن تنحيه عن السلطة بناء لطلب الحكومة الروسية، وأنه سيتم تعيين نائب الرئيس فاروق الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات صيف العام المقبل. وفي سبيل توثيق هذه المعلومة، أرفق أصحابها مقطعاً مصوراً منقولاً من قناة الجزيرة يظهر فيه الشرع بالصوت والصورة وهو يخبر عدداً من الصحفيين عن كلمة هامة سيلقيها الرئيس الأسد ستكون «مطمئنة لكل الناس». ولا ينتبه كثيرون إلى أن مذيع الجزيرة الذي يظهر في المقطع يبدو شاباً، في حين أن رأسه اليوم مليء بالشيب، مما يعني أن مقطع الشرع قديم ويعود لقرابة عقد من الزمن.
مرّت الساعات الأربع والعشرون التي حذرت منها الرسائل الصوتية ولم تحدث أية تفجيرات، والمجمعات التجارية واصلت استقبال مرتاديها. كما مرت ساعات معدودة وتلتها أيام معدودة ولم يطلع علينا بشار الأسد ليعلن تنحّيه عن السلطة، ومازال فاروق الشرع غائباً عن الأنظار. 
نوع آخر من الكذب والتضليل يفتك بعقولنا ويؤثر في قراراتنا، وهو نشر معلومات أو مقاطع مصورة هي قديمة ولكن يتم تقديمها على أنها حديثة، كالمقطع المصور الذي انتشر مؤخراً ويظهر فيه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وهو يقف منتظراً من يستقبله أمام مقر الحكومة البريطانية. فتم تقديم المقطع كأنه نتيجة للقرار الأميركي حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في حين أنه يعود لسنوات خلت ولا علاقة للقرار الأميركي به. مثال آخر: في اليوم التالي للمجزرة المروّعة التي شهدها مسجد الروضة في سيناء المصرية خلال أداء المصلين صلاة الجمعة، تداول ناشطون مقطعاً مصوراً يظهر فيه مئات المصلين وهم يؤدون الصلاة على رصيف مقابل لأحد المساجد تم إطلاق النار عليهم بكثافة. انتشار المقطع المصور أرفق بعنوان «عاجل وخطير.. الصور الأولى والحصرية لمجزرة مسجد الروضة». لكن تدقيقاً بسيطاً كشف أن الصور تعود لسنوات خلت، وهي حصلت ضمن مطاردة النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين. 
الكذب والتضليل لايقتصر على الأخبار الأمنية والسياسية. فكم من مقاطع مصورة يتم تداولها لأطباء يتحدثون عن اكتشافهم أدوية لأمراض مستعصية لا أحد يعرف مصداقيتها، بل لا أحد يعرف إن كان المتحدث طبيباً فعلاً أو أنه ميكانيكي أو سمكري. وكم من مقاطع دينية لأصحاب عمائم يوجهون النصائح الدينية لمريديهم بناء على أحاديث موضوعة لا أصل لها، أو يسردون قصصاً من التاريخ الإسلامي مبنية على خزعبلات وخرافات تستهوي ضعاف العقول. 
هي أمثلة بسيطة من سيل أخبار يتدفق على الناس خلال يومهم وليلهم، ونحن نساهم جميعاً بتوزيعها على من نعرف وربما على من لانعرف. على من يرغب وربما على من لايرغب. فمن المتعذر التدقيق بمصدر كل معلومة، أو صحة كل خبر، أو مصداقية كل من يتحدث. وإلا  بات لزاماً أن نترك أشغالنا وأعمالنا وعوائلنا وأن نتفرغ للتدقيق، وهو أمر مستحيل.
في محاضرة ألقاها مسؤول سابق في موقع الفايسبوك أشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى «تآكل المبادئ الأساسية لكيفية تصرف الناس»، وأضاف المسؤول التنفيذي السابق في فايسبوك واسمه تشاماث باليهابيتي أنه يشعر بذنب كبير لأنه ساهم في صنع أدوات تقوم «بتمزيق النسيج الاجتماعي»، وحذر من يستمعون إليه قائلاً: «أنتم لا تدركون ذلك، لكن تجري برمجتكم بناء على أخبار مضللة وكاذبة».
لوسائل التواصل الاجتماعي فضل كبير في سرعة انتشار المعلومة واتساع من يطلعون عليها، لكن عليها وزر كبير في انتشار الكذب والتضليل، في زمن لم يعد ممكناً تفريق الحقيقة عن الكذب.