أواب إبراهيم

الثغرات الكثيرة والعثرات والأخطاء التي رافقت قضية توقيف الممثل زياد عيتاني وانكشاف فبركة الضابط في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج ليست جديدة، الجديد هو أن هذه الثغرات والأخطاء طفت على السطح وانفضحت أمام اللبنانيين، بخلاف المرات السابقة الكثيرة التي كانت تتم لفلفتها ومداراتها وطمس معالمها.
لم يكد ينتهي التحقيق الأولي مع زياد عيتاني عقب توقيفه، حتى أصدر جهاز أمن الدولة بياناً كشف فيه بالتفاصيل الاعترافات التي أدلى بها عيتاني والتي تثبت تورّطه بالعمالة لصالح «إسرائيل»، ولولا «العيب والحياء» لأصدر بيان أمن الدولة حكمه النهائي على عيتاني، ولما كانت هناك حاجة لإحالته على القضاء المختص. 
ليست هي المرة الأولى ولا الثانية ولا المئة ولا الألف التي ترتكب فيها الأجهزة الأمنية مثل هذه المخالفة، فمنذ سنوات عوّدت الأجهزة الأمنية اللبنانيين على استباق أحكام القضاء بإصدار بيانات تكشف فيها إنجازاتها الأمنية والموقوفين الذين تمّ ضبطهم، والتهم الموجهة إليهم، كل ذلك قبل إحالة الموقوفين على القضاء. علماً أن دور الأجهزة الأمنية حسب القانون يقتصر على توقيف المطلوبين وإجراء تحقيق أولي معهم ريثما تتم إحالتهم على القضاء. لا تكتفي الأجهزة الأمنية باستعراض عضلاتها بالبيانات الرسمية، فهي تستكملها من خلال تسريب تفاصيل تحقيقاتها مع الموقوفين إلى وسائل الإعلام، فيتابع اللبنانيون يوماً بيوم آخر المستجدات، مع إضافة التوابل الخاصة بكل وسيلة إعلامية، علماً أن القانون يفرض سريّة التحقيقات أمام الضابطة العدلية، لكن لا أحد يلتزم بذلك، طالما أن معظم الموقوفين الذين تتم بحقهم المخالفات والتشهير بكراماتهم والإساءة لهم متهمون بالانتماء لجماعات إرهابية أو من اللاجئين السوريين الذين لايسأل عنهم أحد. المفارقة أن بعض الصحفيين والمحللين السياسيين يفاخرون خلال إطلالاتهم الإعلامية بالمعلومات الخاصة التي وصلوا إليها، لكن أحداً في الدولة لم يسأل ولم يراجع ولم يستفسر كيف تم الحصول على هذه المعلومات، ومن هو الضابط الفاسد أو الجهاز الأمني الفاسد الذي يقوم بتسريب المعلومات حتى تتم محاسبته وكي يتوقف التسريب.
التعذيب في السجون اللبنانية ليس اتهاماً، إنما هو حقيقة توثقها شهادات مئات الموقوفين الذين يتم إطلاق سراحهم، وتدعمها تقارير منظمات حقوقية دولية. ومن المعلوم أن معظم الاعترافات التي تستند إليها الأحكام القضائية انتزعت تحت التعذيب والترهيب، وليس ببعيد عنا وفاة أربعة موقوفين سوريين بظروف غامضة بعد يوم من توقيفهم في أحد مخيمات اللاجئين بعرسال، كما أن الجهات المعنية لم تكن تعلم ومن الواضح أنها لاتريد أن تعلم بحصول التعذيب. فالحرص على معنويات الأجهزة الأمنية وضباطها وعناصرها الذين يرتكبون التعذيب أهم من حياة الموقوفين وكراماتهم ومعاناتهم (!!). فقط في قضية عيتاني-الحاج، تنبهت الدولة إلى إمكانية أن تكون الاعترافات التي أدلى بها عيتاني انتزعت منه تحت التعذيب، وبالتالي يجب مراجعتها ومحاسبة من قاموا بذلك.
استباق التحقيقات وإصدار الأحكام ليس مرضاً يقتصر على الأجهزة الأمنية، بل وصلت عدواه إلى السياسيين. فبناء على معلومات وصلت أحد الوزراء، وعلى مقربة من الانتخابات النيابية والتجييش الشعبي المطلوب، قرر معالي الوزير المرشح في مدينة بيروت أن يُصدر حكم البراءة على زياد عيتاني ابن مدينة بيروت على صفحته على تويتر، متجاوزاً قرار قاضي التحقيق، ومناقضاً بيان جهاز أمن الدولة، الأمر الذي يشكل إهانة للقضاء وللأجهزة الأمنية. المهزلة التي رافقت قضية عيتاني-الحاج، وصلت حدّ النيل من القضاء والقضاة، بعدما أطل أحد السياسيين في مقابلة تلفزيونية موجّهاً الاتهامات لقاضي التحقيق العسكري الأول مطالباً بزجّه في السجن، ليطل بعدها القاضي المتهم على الشاشة نفسها ويرد التهم عن نفسه، فيطلّ الوزير مرة أخرى مهدداً متوعداً بفضح المستور الذي لم نجد أحداً يسأل عنه.
كل ذلك يحصل، ومن يعنيهم الأمر يحترفون سياسة التجاهل وغضّ النظر، الأنكى أنهم يعتبرون أن الأمور بخير، وأن الدولة على السكة الصحيحة، في الوقت الذي يشكك آخرون بأن الدولة التي يتحدث عنها البعض باتت أقرب إلى المزرعة.}