العدد 1454 /24-3-2021

في كل مرة يريد أمين عام حزب الله الإشادة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون يعود بالذاكرة لما ورد في تسريبات وكالة ويكيليكس من مواقف داعمة ومساندة لحزب الله عبّر عنها عون خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. وكالة ويكيليكس نفسها التي يستند إليها نصرالله للإشادة بمواقف عون كانت نشرت تسريبات أخرى يتجاهلها سماحة السيد هي عبارة عن مضمون اجتماع حصل بين السفير الأمريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان ووزير العدل الأسبق شارل رزق. رزق كشف خلال هذا الاجتماع عن مضمون لقاء جمعه بالعماد عون في شهر آب من عام 2007، تحدث خلاله عون عن المسلمين السنّة بلغة عنصرية ووصفهم بـ"الحيوانات". واعتبر بأن "السنّة غرباء ولا جذور لهم وعشاق مال ومتطرفين"، لافتاً إلى أن التحالف الشيعي الماروني هو السبيل لمواجهة التهديد السني، وأن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران ستؤمّن الحماية للشيعة والمسيحيين. وعبّر عون في اللقاء عن نفوره من النظام السوري، لكنه شرح أنه لا خيار إلا التعامل مع العلويين لحماية لبنان من السنّة، وأن سوريا لايجب أن تقع بيد السنّة لأنهم سيتحالفون مع سنّة لبنان ويطردون المسيحيين من المنطقة.

أهمية استذكار المواقف الصادرة عن فخامة الرئيس ميشال عون -التي لم ينفها حينذاك- أنها تعكس بشكل واضح أفكاره ورؤيته، والأهم أنها تفسر الكثير من تصرفاته منذ وصوله إلى قصر بعبدا، لاسيما في الأشهر الماضية خلال عملية تشكيل الحكومة. العداء الصريح للمسلمين السنّة وان كان يتجنبه عون صراحة، إلا أن عدداً من قياديي التيار الوطني الحر الذي أسسه فخامة الرئيس يعبرون عنه بشكل واضح أمام وسائل الإعلام.

حركات صبيانية ساذجة يخجل أي راشد أن يقوم بها فكيف برئيس جمهورية. قبل أسابيع وفي إطار سعي الرئيس سعد الحريري للقيام بواجبه بلقاء رئيس الجمهورية للتوصل لاتفاق حول تشكيل الحكومة، حرص القصر الجمهوري في البيان الصحفي الصادر عنه على الإشارة بأن اللقاء تمّ بناء على طلب الحريري، وكأنّ طلب اللقاء نقيصة.

من المراسلات التي تمّ الكشف عنها خلال الأيام الماضية مظروف مُرسل من رئيس الجمهورية للرئيس سعد الحريري يتعلق بتشكيل الحكومة التي يريد عون من الحريري أن يوافق عليها. قبل الحديث عن مضمون المظروف كان لافتاً أن فخامته كتب على المظروف العبارة التالية "من فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية إلى حضرة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري". الملاحظة الأولى هي أن فخامته حافظ على لقب فخامته لكنه سلب الرئيس الحريري لقب "دولة" واستبدله بـ "حضرة"، علماً أن الحريري كما كل رؤساء الحكومات السابقين هو "دولة الرئيس" سواء كان على رأس الحكومة أم لم يكن. الأمر الآخر هو أن التواصل مع الحريري تمّ بناء على أنه رئيس الوزراء المكلّف، ولامعنى لصفته كرئيس وزراء سابق كي يرسل إليه التشكيلة الحكومية.

تضمّن المظروف ورقة رُسم عليها جدول وفيها الحقائب الوزارية وطوائف شاغليها، وكتب فخامته على الورقة "نموذج للتعبئة من المستحسن تعبئته". إذا أخذنا بحسن النية بأن عبارة فخامة الرئيس لا تتضمن تهديداً لدولة الرئيس الحريري، فإن فخامته يريد من الحريري أن يملأ الفراغات في الجدول، ويصبح بذلك رئيس الوزراء "باش كاتب" عند رئيس الجمهورية، علماً أن الدستور حدّد مهمة تشكيل الحكومة برئيسها بالتشاور مع رئيس الجمهورية وليس العكس.

استعلاء يدلّ على عقدة نقص وموقف سلبي واضح من الحريري وما يمثله في المنظومة السياسية، ويعكس بشكل واضح أن التسريبات التي كشفت عنها ويكيليكس كانت صحيحة ودقيقة وشفافة.

قبل الختام من المفيد الإشارة إلى أن السفير السعودي الذي قام بزيارة رئيس الجمهورية بقصر بعبدا في ذروة خلافه مع الرئيس سعد الحريري، كان قد تحدث في تسريبات ويكيليكس نفسها بأن التحالف الشيعي المسيحي يهدف لمواجهة الخطر السني الداخلي المتمثل بآل الحريري، وكذلك الخطر السني الخارجي المتمثل بالمملكة العربية السعودية.

أوّاب إبراهيم