العدد 1472 /4-8-2021

لم يكن بسيطاً ما شهدته منطقة خلدة جنوبي بيروت قبل أيام. فلولا حرص قيادة حزب الله على لملمة الموضوع لكان مقتل أحد عناصره في عرس في منطقة الجية، وبعدها بيوم مقتل آخرين خلال تشييع القتيل، لأدى ذلك لمواجهات مسلحة كان مرجّحاً أن تؤدي للكثير من الضحايا. لكن رغبة الحزب كانت واضحة بأنه لايريد للحادث أن يتمدد أقلّه في الوقت الحاضر. ورغم الحملة الشعواء التي شنّها جمهور حزب الله على "عرب خلدة" المتهمين بأنهم أطلقوا النار على عناصرهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وما تضمّنته هذه الحملة من اجترار للضغائن والكراهية العنصرية التي لم تنحصر بعرب خلدة بل استرجعت أحقاداً تاريخية قبيحة تعود لأكثر من 1400 سنة، وتحوّلت قضية ثأرية شخصية في أحد الأحياء إلى معركة صفّين وكربلاء جديدة ومواجهة بين يزيد بن معاوية والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً، رغم كل ذلك، لم تنعكس حملة الضغائن هذه على الشارع، ونجح الحزب كما غالباً في ضبط "جماعته" والحؤول دون تفلّت الأمور.

النجاح في تجاوز "قطوع خلدة" ينبغي أن يكون محطة لتعلّم الدروس، خاصة أنه كان يمكن أن يؤدي لإشعال فتيل من الصعب إخماده. أوّل هذه الدروس هو أن عدم معالجة الأمور ومحاولة طمسها والتغاضي عنها لايعني أنها انتهت، خاصة إذا كانت مرتبطة بالدماء. فقبل قرابة عام حصل إطلاق نار من المبنى الذي يملكه أحد عناصر حزب الله القتيل على آخرين من عرب خلدة، أدى لمقتل فتى يافع من أبناء عرب خلدة. من الطبيعي أن يسعى العقلاء لمعالجة الموضوع وإجراء صلح بين القاتل وبين ذوي الضحية. بغض النظر عن المساعي التي بُذلت في هذا الإطار، لكن في الخلاصة "الصلحة" لم تحصل، والمتهم بالقتل بقي حراً طليقاً دون أي محاسبة، بدليل تواجده في العرس الذي تعرض فيه للقتل. ففي بعض القضايا لاقيمة لموازين القوى في حلّ الأمور، فمهما بلغت قوة حزب الله وتنظيمه وتوسّعه، هناك جريمة اتُهم فيها أحد عناصره، يجب التوصل لإيجاد مخرج لها، وإلاّ يكون ما فعله شقيق الضحية من ثأر لأخيه فعل متوقع، خاصة أن شيوخ العشائر التي ينتمي إليها الضحية أعلنوا بوضوح أنهم لن يسكتوا على ضيم، وأنهم سيثأرون لمقتل ابنهم.

الدرس الآخر هو للسلطة اللبنانية والأجهزة الأمنية المعنية بضبط الأمن. فإذا تخلّت السلطة عن واجبها في ملاحقة المجرمين، وغضّت الطرف عن جريمة قتل مشهودة، ولم تقم بتوقيف المتهم بالقتل، وتركته يسرح ويمرح ويحضر الأعراس والمناسبات، وخضعت لقوى الأمر الواقع، وركنت إلى أن الأمور انتهت فهي بذلك تكون مخطئة. فضبط الأمن لايكون بطمر الأمور والتغاضي عنها، بل بإيجاد حلّ لها، ومدخل هذا الحل يكون بتوقيف المتهم، وإحالته للقضاء. لأن عدم قيامها بهذا الدور يُفقدها مصداقيتها، ويجعلها طرفاً متواطئاً في مواجهة ذوي الضحية. إضافة لذلك فإن ترك الحوادث الأمنية معلّقة دون حلّ، سيجعل الأمن على كفّ عفريت لا أحد يعرف متى وكيف تنفلت الأمور.

الدرس الأخير هو لحزب الله. فبعد الحادث الذي تعرض له عناصره، أصدر الحزب بياناً طالب فيه الجيش والقوى الأمنية بإيقاف من وصفهم "القتلة المجرمين واعتقالهم تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة". ولو كنتُ مكان من صاغ البيان لتجنّبت التطرق للمطالبة بتوقيف المجرمين واعتقالهم. فالحزب دأب على عدم تسليم متهمين من عناصره متهمون بقضايا كثيرة، لعلّ أبرزها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فأين المنطق بالمطالبة بتسليم مجرمين وقتلة، في الوقت الذي يمتنع هو عن القيام بذلك؟!.

حين يطالب حزب الله بدولة العدل والقانون والقضاء، عليه أن يكون أول الخاضعين لها. وعلى الحزب أن يدرك أنه مهما بلغت به القوة والسطوة والتوسع وفائض القوة والنفوذ الداخلي والإقليمي، فإن بعض القضايا يجب أن تُعالج، وأن تُراعى كرامات الناس وحفظ دمائهم، وإلا فإن هذه القضايا ستتسبب بأضرار لا أحد يعرف نتائجها.

أوّاب إبراهيم