العدد 1556 /29-3-2023
اواب ابراهيم

انشغل اللبنانيون –وانقسموا كالعادة- بمتابعة المواقف والتعليقات حول تأخير العمل بالتوقيت الصيفي، ونسوا أزماتهم ومشكلاتهم المعيشية والاقتصادية والسياسية الكبيرة والخطيرة، وتحذيرات الموفدين الدوليين وصندوق النقد الدولي، وغرقوا في متاهة الخلاف حول تقديم أو تأخير الساعة.

جاء التثبيت الرمضاني للتوقيت الشتوي باتفاق بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ليكشف "العقدة" المسيحية بأبعادها الكاملة. فجرى وصف الاتفاق بأنّه دليل على العصبية الإسلامية الشيعية – السنّية، وأنّه دليل على التخلّف عن المسار العالمي، وأنّه إبعاد لكلّ المسيحيين عن "القرار". حتى قيل إنّ الأجدر بالمسيحيين الذهاب نحو الفدرالية والانفصال.

انقسم البلد طائفياً حيث أصبح لكل من الديانتين الإسلاميّة والمسيحيّة توقيتها.وتحوّل المشهد السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب مفتوحة لسجال طائفي مقيت حول حقوق المسيحيّين والمسلمين، ممّا أسقط وهم "العيش المشترك"، وجعل من لبنان محطّ سخرية أمام العالم بأسره.

ينظر المسيحيون اللبنانيون إلى التوافق بين الرئيسين برّي وميقاتي باعتباره من تداعيات الاتفاق السعودي- الإيراني. ينظرون إليه باعتباره لقاء بين السنة والشيعة في لبنان. وبحسب هذه النظرية إذا عاد الشيعة والسنّة للاجتماع والتوافق فمعنى ذلك ضياع المسيحيين اللبنانيين أولاً. وهم يتذكرون أنه لمّا اجتمع السعوديون والسوريون في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حصل اتفاق الطائف، الذي أخّر المسيحيين درجات إلى الوراء، سواء ضمن النظام أو في العلاقات العربية والدولية. وقد بلغ هذا الاتفاق آفاقه القصوى في حياة رفيق الحريري، وحياة حافظ الأسد.

كانت الميزة لدى الطرف المسيحي أنّ حضورهم القوي في السلطة مرتبط بالتخاصم بين السنّة والشيعة، وأما الآن فإنّ التوافق بين الطائفتين الكبريَيْن مخيف، وبخاصة مع تعذّر توفر البدائل. فأين يذهبون إذا اتّفق الثنائي الشيعي مع السنّة في لبنان، ومن وراء ذلك التوافق بين الطرفين على مستوى المنطقة تحت لواء السعودية وإيران؟!.

لذلك عادت هواجس المسيحيين بالظهور. قبل ذلك، لم يهضم فريق من المسيحيين أن يفرض الثنائي الشيعي مرشّحاً رئاسياً ويدعو إلى فتح حوار بشأنه. وجاءت عقارب الساعة بمنزلة القشّة التي قصمت ظهر البعير. اعترض جبران باسيل، فتبعه جميع المسيحيين بمن فيهم رجال الدين والمدارس والمؤسّسات. وصل الأمر إلى حدّ قول باسيل "منمشي على وقت المتطوّرين مش على وقت المتخلّفين والرجعيّين"، بالإشارة الى المسلمين، مجسّداً مثالاً صارخاً للعيش المشترك الكاذب. والحال أن باسيل احتج وهدد في أعقاب قرار ميقاتي المنسق مع نبيه بري، لما يعنيه القرار لجهة إخضاع المسيحيين اللبنانيين لشروط صوم المسلمين.

المسألة في الميزان المسيحي لم تعد مسألة توقيت، بل هي مخاوف متراكمة تمّ التعبير عنها بالاعتراض على عقارب الساعة. أصل الخوف هو مقطع الفيديو بين الرئيسين برّي وميقاتي وهما يحسمان الأمر من دون العودة إلى مجلس الوزراء، صاحب المرجعية في إصدار قرارات حكومية. صارت الحساسية بالغة من أيّ تقارب أو اتفاق بين رئيسَي مجلس النواب والحكومة، لأنّه يؤدّي إلى قرارات تُفرض على المسيحيين في غياب الرئيس المسيحي عن "ترويكا الحكم".

انصبّت هجمات السياسيين المسيحيين على نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، لأنّه يصرّ على جمع مجلس الوزراء لتصريف الشؤون "الضرورية". بينما يرى المسيحيون أن لا ضرورة تتقدّم على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.

لا شكّ أنّ خطوة ميقاتي ما كانت ضرورية، أو على الأقل كان يجدر دراستها وتنسيقها مع الطرف الآخر قبل إقرارها، لكنّها أيضاً لا تستدعي هذا الثوران الطائفي المسيحي. ومن الواضح أن عقارب ساعة المسيحيين تعود إلى ما قبل الطائف عام 1989 وتوقفت حينها.

ذريعة الانصهار الوطني والشعارات الوطنيّة التي ارتكز عليها البعض في لبنان سقطت جميعها بالضربة القاضية خلال أيام قليلة.

أوّاب إبراهيم