العدد 1533 /19-10-2022
اواب ابراهيم

عام مرّ على ما عُرف باسم أحداث الطيّونة. فصباح 14 تشرين الأول 2021 لم يكن يوماً عادياً. فجأة لعلع الرصاص عند مستديرة منطقة الطيونة الفاصلة بين منطقتي الشياح (ذات الأغلبية الشيعية) وعين الرمانة (ذات الأغلبية المسيحية). تلك المنطقة التي شكلت جبهة حرب منذ 1975 حتى 1990 ومنه انطلقت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية مع حادثة بوسطة عين الرمانة.

في ذلك اليوم، وبناء على دعوة من الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)، توجهت تظاهرة من أكثر من مكان سالكة الطريق الفاصلة بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، باتجاه قصر العدل في بيروت، بهدف المطالبة بتغيير المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بعدما اتهم بيطار وزراء ونواباً تابعين للثنائي بالمسؤولية عن تفجير المرفأ. الدعوة للتظاهرة جاءت غداة خطاب غاضب لأمين عام حزب الله، اتهم فيه المحقق العدلي "بالتسييس" وتنفيذ أجندات خارجية لمحاصرة "المقاومة"، مؤكداً أن حزبه لن يقف متفرجاً إزاء هذا الأداء.

كان من المعروف أن التظاهرة ستمر في مناطق غير مؤيدة لحزب الله وحركة أمل، وكان من المحسوب احتمال خروج المتظاهرين عن الانضباط بسبب العشوائية في التنظيم، وكثرة عدد المشاركين والتجييش والتحريض الذي حصل. لذلك اتخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية مشددة لمنع حصول أي احتكاك. لكن ما حصل لم يكن في الحسبان، أو على الأقل أراد المسؤولون عنه أن يبدو كذلك، عندما حاول عدد من المتظاهرين (الشيعة) الدخول عبر أحد الشوارع الفرعية إلى أحياء منطقة عين الرمانة الداخلية (المعروفة بتأييد القوات اللبنانية)، فحصل إطلاق نار من الجانبين استمر خمس ساعات، وسقط قتلى وجرحى، قبل أن يأخذ الجيش اللبناني زمام الأمور.

في الذكرى السنوية الأولى على أحداث الطيونة، نظم الثنائي الشيعي وقفة تأبينية تحدث فيها قيادي من حركة أمل وآخر من حزب الله. القيادي في الحزب اتهم في كلمته القاضي الذي يتولى التحقيق بهذه الأحداث بأنه قاض "غير نزيه ومسيّس، ويستمع للتدخلات السياسية ويحسب حسابات سياسية ويقايض". وهدّد القيادي في الحزب القاضي بأنه "من يريد أن يستخف بدماء شهدائنا لا يمكن أن نسكت عنه مهما كان الأمر". تهديدات قريبة إلى حد كبير من تلك التي أطلقها الحزب بحق القاضي طارق البيطار، الذي سبق للحزب أن توعّده وهدّد "بقبعه"، لأن التحقيقات التي أجراها في تفجير المرفأ لم يجدها الحزب وحلفاؤه مناسبة. القيادي في حزب الله أكد أيضاً أن "القتلة والجناة يجب أن يحاكموا وهم معروفون، وأي تجهيل للقاتل ليس مقبولا".

لايسع المرء إلا أن يرفع القبعة احتراماً وتقديراً أمام حرص حزب الله على أن يأخذ القانون مجراه، وأن تسلك العدالة طريقها حتى النهاية. لكن هذا الحرص حتى يستحق الإعجاب فعلاً لايستوي أن يكون استنسابياً. فلا يمكن المطالبة باستدعاء المطلوبين للقضاء للمثول في أحداث الطيونة، في الوقت الذي تمنّع فيه نواب ووزراء حلفاء للحزب عن المثول أمام القضاء بملف تفجير مرفأ بيروت. فدماء مئات الضحايا التي سقطت في تفجير المرفأ ليست أرخص من دماء الذين سقطوا في أحداث الطيونة. ومثلما يحرص الحزب على الوقوف على خاطر ذوي عناصره الذين سقطوا في أحداث الطيونة، عليه الوقوف عند خاطر ذوي شهداء تفجير مرفأ بيروت. الأهم من ذلك، محاسبة المسؤولين عن أحداث منطقة الطيونة، ليسوا فقط الذين حملوا السلاح وأطلقوا الرصاص، بل أيضاً الذين هدّدوا بقبع قضاة، وخوّنوا واتهموا وحرّضوا الشارع ودعوا لتظاهرات غير منضبطة. فكما يطالب الحزب الذين استدعاهم القضاء للاستماع لشهادتهم بتهمة التحضير للمواجهات المسلحة، عليه أيضاً أن يستدعي الذين حرضوا وشحنوا شارعهم مما أدى للاحتقان الذي كان سبباً رئيسياً في الأحداث التي حصلت. وإلا فإن استمرار الاستنسابية في التعامل مع الأمور يُفقد أصحابها الصدقية أمام جمهورهم وأمام الآخرين.

أوّاب إبراهيم