أواب إبراهيم

لايختلف اثنان على إدانة واستنكار إطلاق النار الذي شهده ملهى رينا الليلي في مدينة اسطنبول عشيّة رأس السنة الميلادية، وأدى لسقوط 39 قتيلاً وعشرات الجرحى. فما حصل هو استهداف إرهابي لمدنييّن عزّل سواء كانوا يرقصون في ملهى أو يؤدون الصلاة في مسجد، وهي جريمة آثمة بكل المقاييس، وليس لأحد التخفيف من دمويّتها وبشاعتها.
لبنان كانت له حصته من الحادث، فسقط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى اللبنانيين، كانوا في الملهى عند إطلاق النار. الدولة بكافة أجهزتها -وعلى غير العادة- اهتمت بالموضوع وأعلنت حال الاستنفار وتواصلت بشكل عاجل مع السلطات التركية لمتابعة أوضاع رعاياها (ربما هي المرة الأولى التي نسمع فيها مصطلح رعايا لبنانيين)، وأرسلت طائرة خاصة مجهزة طبياً لاستلام القتلى ومتابعة علاج الجرحى، الذين كان في استقبالهم مع وذويهم في المطار رئيس الحكومة سعد الحريري وعدد كبير من الوزراء. إعلامياً، قطعت قنوات التلفزة برامجها المعتادة ونقلت مباشرة على الهواء استقبال القتلى والجرحى حتى وصولهم إلى المستشفيات، وأفردت المحطات التلفزيونية للموضوع مساحة واسعة من نشراتها الإخبارية، كما هيمن الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الإخبارية. فعاش اللبنانيون على مدى يومين حالة من التضامن والتكاتف عابرة للطوائف والخلافات السياسية لم يشهدوا مثيلها منذ زمن. ووصل الأمر حدّ حماسة الأجهزة الأمنية والقضائية للموضوع، فقامت بتوقيف أحد المواطنين –دون سند قانوني- لأنه سخر في تغريدة له من الضحايا الذين سقطوا في إطلاق النار، وأطلق كلاماً اعتبرته النيابة العامة لا يراعي حرمة الضحايا ومشاعر ذويهم، وهي حميّة نفتقدها تجاه ضحايا آخرين يسقطون في مناسبات أخرى، سواء في لبنان أو سوريا أو أي مكان من العالم. فوسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالشماتة والسخرية والتشفّي، لكن المفارقة أن أحداً لم يهتم للأمر.
أعود فأقول، معظم اللبنانيين أعجبوا على مدى الأيام الماضية بمبادرة الدولة وأجهزتها المختلفة لرعاية واحتضان ضحايا حادث اسطنبول والتخفيف عن ذويهم، وهي من المرات القليلة التي يشعر فيها المواطن بالفخر والانتماء لدولة ترعاه وتسانده، وتسعى لحمايته والحفاظ على حياته. لكن إلى جانب هذا الفخر فإن فريقاً من اللبنانيين شعروا بغصّة في القلب، هذا الفريق لم يستطع كتم تساؤلات جالت في ذهنه: أين كانت جهود المسؤولين في مناسبات مأساوية أخرى وربما أكثر مأساوية؟ لماذا لم يلقَ ضحايا تفجيرات إرهابية كثيرة شهدها لبنان خلال السنوات الماضية اهتماماً مماثلاً لما لقيه ضحايا اسطنبول؟ هل هناك ضحايا بسمنة وضحايا بزيت؟ وهل كان لطائفة الضحايا علاقة بهذا الاهتمام؟ لم تبقَ هذه الأسئلة معلّقة في الهواء، فأصحابها يضربون أمثلة كثيرة على إهمال الدولة وغياب المسؤولين عن السمع، وعدم إيلاء ضحايا حوادث إرهابية كثيرة أي اهتمام أو رعاية أو احتضان، ولا حتى كلمة «الحمد لله عالسلامة». 
من المسلّم به أن ضحايا اسطنبول يستحقون كل الرعاية والاهتمام من جانب الدولة، وهو واجب عليها وليس منّة منها، ولكن ألم يكن ضحايا التفجير الإرهابي الذي شهده مسجدا التقوى والسلام في طرابلس –على سبيل المثال لا الحصر- يستحقون الاهتمام والرعاية كذلك؟ هل من المنطق أن تهتم الدولة بأبنائها الذين راحوا ضحية عمل إرهابي في ملهى ليلي بتركيا، وتهمل أبناءها الذين ذهبوا ضحيّة عمل إرهابي مشابه في أحد المساجد في لبنان؟! حضور رئيس الحكومة وعدد من الوزراء لاستقبال ضحايا إسطنبول في المطار واجب مشكور، لكن ألا يجب أن يمتد هذا الواجب ليشمل كل ضحايا الإرهاب أياً كانت طائفتهم أو منطقتهم.
لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة ونوجه أسمى آيات التقدير والاحترام والإعجاب للدولة اللبنانية وأجهزتها المختلفة، على ما بذلوه من جهود للملمة جراح ضحايا اسطنبول وذويهم، على أمل أن يتواصل هذا الجهد ويتطوّر، والأهم أن يتوسّع ليشمل كل أبناء الوطن على امتداد مساحته.