بقلم: أواب إبراهي

خلال نشرة الأخبار على إحدى القنوات التلفزيونية، دعا أحد الخبراء القانونيين «الموارنة» لإجراء تعديل دستوري  يضبط عملية تشكيل الحكومة ضمن مهلة محددة. كنت حريصاً على تحديد طائفة الخبير القانوني لإدراك الخلفيّة التي ينطلق منها لإعطاء رأيه القانوني. فكما بات معلوماً، الخبراء القانونيون، والمحللون السياسيون، والباحثون الاقتصاديون، كلّ يكيّف وجهة نظره كي تتناغم مع الخلفية الطائفية التي ينطلق منها. لم يقدّم الخبير القانوني أي سند علمي يدعم وجهة نظره، اللهم إلا القول بأن الدساتير ليست مقدسة، وأنه يمكن تعديلها من خلال آلية محددة في الدستور نفسه، وأن تعديل الدستور أمر شائع في الدول المتحضرة.
من الواضح أن فريق رئيس الجمهورية غير مرتاح للتأخير الحاصل في عملية تشكيل الحكومة، لكنه في المقابل لايقدّم أي تسهيلات قد تساعد رئيس الحكومة المكلف في عملية التشكيل. ومن الواضح أن هذا الفريق مقتنع بأن الدولة باتت بين يديه، وأنه يستطيع التحكم بكل مفاصلها، متغافلاً عن حقيقة أن في الدولة دستوراً وأعرافاً لا يمكن تجاوزها.
فالرئاسة لا تمتهن أكثر من إعلان تمسكها بصلاحياتها، ومنذ وصل الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة قبل سنتين، ونحن نسمع معزوفة الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن المساس بهذه الصلاحيات خط أحمر، وأن العهد الجديد سيعيد للرئاسة قوتها وهيبتها. الصلاحيات هذه، لا تستند إلى ما نص عليه الدستور، أو ما جرى عليه العُرف، بل إلى ما يعتقده هذا الفريق من صلاحياته. فحصة رئيس الجمهورية في الحكومة لم ترد في الدستور، كما لم يدرج عليها العُرف، بل إن لرئيس الجمهورية نفسه تصريحات موثقة سبقت وصوله إلى سدة الرئاسة رفض فيها حصول الرئيس على حصة في الحكومة، لكن المفارقة أن وجهة النظر هذه انعكست اليوم بعد وصوله إلى قصر بعبدا.
الخط الأحمر الذي يحيط به فريق رئيس الجمهورية صلاحيات الرئيس يختفي عند الحديث عن الرئاسات الأخرى. فرغم عدم وجود أي نص دستوري يحدد مدة زمنية لرئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة، بدأت أصوات في فريق الرئاسة تغمز من زاوية أن الرئيس لن ينتظر طويلاً، وأن فترة السماح التي منحها لرئيس الحكومة المكلف قاربت على الانتهاء، وأنه في حال استمرار تعثر التشكيل، فإن فخامته سيتحرك تبعاً لصلاحياته. لا أحد يدري ما هي هذه الصلاحيات وإلى ماذا تستند، فلا الدستور يمنح الرئيس صلاحيات، ولا العُرف يمنحه ذلك. ومن المعروف أن حكومة الرئيس تمام سلام استغرقت أحد عشر شهراً حتى تم تشكيلها، ولم نسمع يومها أصواتاً تضغط للإسراع في التشكيل وإلا.. في حين أن تكليف الرئيس الحريري لم يمض عليه سوى شهرين.
من حق رئيس الجمهورية أن يتمسك بصلاحياته، على أن تكون صلاحيات ممنوحة له بموجب الدستور، وليست صلاحيات يتم استحداثها وابتكارها. وإذا كان فريق الرئاسة يجد الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية غير كافية وتحتاج لتعديل، فليطالب صراحة بتعديل الدستور، حينها يكون متاحاً لجميع القوى الرئيسية المطالبة بتعديلات دستورية أخرى.
فإذا استجبنا لدعوة الخبير القانوني «الماروني» بإجراء تعديل يحدد مهلة زمنية لتشكيل الحكومة، ربما يطل علينا خبير قانوني «شيعي» يطالب بتعديل دستوري يخصص وزارة المال للطائفة الشيعية، الأمر الذي يتمسك به الرئيس نبيه بري عند تشكيل كل حكومة، وربما يطالب خبير قانوني آخر بتعديل النص الدستوري الذي يمنح رئيس الجمهورية إصدار مراسيم منح الجنسية، خاصة بعد فضيحة مرسوم التجنيس الذي وقعه فخامته مؤخراً، والذي تبيّن أنه يتضمن أسماء ملاحقين من الانتربول، لكن فخامته أصرّ على المرسوم تحت راية أن رئيس الجمهورية لا يتراجع عن قرار اتخذه.
لرئيس الجمهورية صلاحيات نص عليها الدستور، ليس لأحد الانتقاص منها أو المساس بها، ولكن كذلك لرئيس لرئيس الوزراء صلاحيات ليس لأحد الانتقاص منها أو المساس بها، ومن يضع تحت صلاحياته خطاً أحمر يجب أن يدرك أن للآخرين خطوطاً حمراً كذلك.