العدد 1416 / 10-6-2020

أرسلت لصديقي طُرفة على الواتسآب كما أفعل دائماً، وقد جرت العادة أن يبادلني بإرسال وجه ضاحك أو إشارة إعجاب. لكنه هذه المرة اتصل بي وحدّثني بصوت حاد وغاضب "ليك دمّي عم يغلي ما بقا تبعتلي شي". استغرقت بعض الوقت لأدرك أن صديقي "الشيعي" كان في مجلس عزاء في أحد أيام عاشوراء يستذكر مع آخرين الأحداث التي جرت قبل أكثر من 1400 عام بين الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وبين جيش يزيد بن معاوية في موقعة كربلاء. في كل عام يتفرّغ صديقي للمشاركة في مجالس عاشوراء ويبتعد عنّي لأنه –ربما- يظن أنني كنتُ مشاركاً مع جيش يزيد في مواجهة الحسين وأصحابه في كربلاء، فقط لأنني مسلم "سنّي"، أو –ربما- أخبروه في المجلس العاشورائي أن كل "سنّي" هو شريك ليزيد في المسؤولية عما حصل للحسين وصحبه.

قبل أيام شهدت بيروت تظاهرات شعبية رفضاً لتردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية. وكما جرت العادة في معظم التحركات الشعبية تواجهها تحركات مقابلة موالية لأحزاب السلطة، التي يُشكل الثنائي الشيعي أبرز أركانها. الجديد هذه المرة أن هتافات مؤيّدي هذا الثنائي تضمّنت شتائم نابية طالت السيدة عائشة (أم المؤمنين) زوجة الرسول الأكرم. لا أحد عرف مناسبة توجيه هذه الشتائم، أو علاقتها بالتحركات الشعبية والانقسام السياسي الحاصل، وصارت المشكلة تتمحور حول مسؤولية القناة التلفزيونية التي ظهرت على شاشتها هذه الشتائم في بث مباشر لثوان معدودة. في أعقاب ذلك انهمرت العديد من المواقف والتصريحات والإدانات من المرجعيات الشيعية والقيادات الحزبية من (حزب الله وحركة أمل) المستنكرة والمستهجنة لما حصل، مؤكدين على رفض هذا السلوك ومجدّدين موقفهم الشرعي بحرمة شتم زوجات الرسول، داعين للهدوء والحكمة والوعي ودرء الفتنة وعدم السماح بتسلل الطابور الخامس والمندسين وقطع الطريق عليهم.

مشكلة المرجعيات والقيادات الحزبية الشيعية أنها تطرح في الإعلام خطاباً، فيما تربّي وتدرّس وتغذّي عقول جمهورها بخطاب مناقض لما تتحدث به أمام العالم. وإلا فما تفسير أن يهتف جمهور هؤلاء من شبّان وفتيان بعضهم عاطل عن العمل وبعضهم لم يُكمل تعليمه بهتافات مذهبية بغيضة ومستفزة تجتر أحقاد التاريخ؟! كيف يمكن لشبّان يقضون يومهم على ناصية الطريق في محل يبيع "النسكافيه" أن يخطر في بالهم الإساءة لزوجة رسول الله، من أين جاءتهم فكرة الهتاف "شيعة شيعة" في مواجهة تحركات شعبية مطلبية جزء كبير من المشاركين فيها يساريون لايعبأون لا بسنّة ولا شيعة ولا إسلام ولا دين. لماذا يحرص جمهور المسلمين الشيعة على تصدير انتمائهم لطائفتهم بمناسبة وبدون مناسبة، ولماذا يحرصون على استفزاز إخوانهم المسلمين طالما أن هذا النهج لا يتلقونه في مجالسهم وتربيتهم ومدارسهم. الحديث لا يشمل الجميع، فلدى معظم المرجعيات الشيعية في لبنان الحكمة والوعي والانفتاح واتساع الرؤية ما يتفوّقون به على كثير من مرجعيات الاسلامية ، لكن هؤلاء محاصرون في بيئتهم ، يتم التضييق عليهم وعلى جمهورهم المقتنع بخطابهم المعتدل المتسامح، ربما لأن هناك من يستفيد من استمرار حالة الاحتقان والكراهية التي يمكن تجييرها واستغلالها.

بإمكان المسؤولين في حزب الله وحركة أمل والمجلس الشيعي الأعلى أن يطلقوا آلاف مواقف الإدانة والاستنكار للإساءات التي تصدر من جمهورهم، وبإمكانهم التبرؤ من كل من يشتم أو يُسيء، لكن كل ذلك لن يفيد ولن يقنع أحدا، فما يخرج من أفواه مؤيّدي ومناصري وعناصر هذه الأحزاب والمرجعيات يكشف أن ما يتلقّونه ويتعلّمونه ويحفظونه ويدرسونه خلاف ذلك. كما أن حجم الغضب والكراهية والبغض الذي يعبّر عنه هؤلاء تجاه إخوانهم في الدين والوطن والاستقواء بطائفتهم والحرص على إبرازها يشي بأن ذلك لم يأتِ من فراغ، بل هو حصاد ثمار يحرص من يعنيهم الأمر على زرعها في نفوسهم .

أوّاب إبراهيم