العدد 1496 /19-1-2022

منذ أشهر بدأ الحديث يتواتر عن عودة شبح تنظيم داعش إلى لبنان من بوابة مدينة طرابلس. في البداية كان هذا الحديث يُواجه من أبناء المدينة والحريصين عليها باتهام من يروّجها بالكذب وتشويه صورة المدينة وأبنائها، خاصة أن هذا الأداء ليس جديداً. فلطالما حرص فريق من اللبنانيين على "دعشنة" المدينة ووسم أبنائها بالتطرف والتشدّد والإرهاب، مستفيدين من ذلك لإبراز صورة مقابلة زاهية برّاقة لفريق لايختلف عن أبناء طرابلس، لكنه يقدّم نفسه بأنه الحريص على اللبنانيين والحامي لهم من خطر الإرهاب والتطرف.

المؤسف هذه المرة، هو أن الأخبار المتداولة حول تسلّل تنظيم داعش إلى طرابلس وأحيائها وشبابها صحيحة، بعدما التحق العشرات من أبناء المدينة بركب التنظيم في سوريا والعراق، وسقط منهم قتلى في مواجهات عسكرية خاضها التنظيم.

يمكننا الحديث من الآن وحتى الغد دفاعاً عن الفتية اليافعين الذي تمّ التغرير بهم والتحقوا بداعش، ويمكن تقديم ألف سبب وسبب حول الدوافع التي جعلت شباباً في عمر الزهور يتملكهم اليأس، ويلتحقون بتنظيم إرهابي. شباب في مقتبل العمل، لم تسمح حال ذويهم لاستكمال تعليمهم في الجامعة أو المدرسة، فاستعاضوا بتعليم من نوع آخر، يتمّ تقديمه في الحواري والأزقة وعند زوايا الشوارع. لكن النجاح بالدفاع عن الشباب المغرّر بهم، وتبرير ماقاموا به، لن ينكر حقيقة أن هؤلاء الشباب ضاعوا، وسيكون من الصعب استرجاعهم، وإن عادوا، فإن عقولهم لن يكون سهلاً استرجاعها.

فحال الفقر واليأس والعوز والإحباط الذي يتملّك أبناء المدينة، دفع بالكثير منهم للهرب من واقعهم بتعاطي المخدرات، فغابت عقولهم، وسلك بعضهم طريق الإجرام والبلطجة وتشكيل عصابات هدفها تأمين المال لتاجر المخدرات كي يتكرم عليهم لإعطائهم ما يغيّب به عقولهم. أما البعض الآخر، ومن بينهم كثير من الذين يتعاطون المخدرات، وجدوا في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ملاذاً لهم، يُخرجهم من المستنقع الذي يعيشون فيه، خاصة أن هذه التنظيمات تُغري أتباعها بدفع رواتب مجزية بالفريش دولار. معادلة موقف محيّر يقف أمامه شبان طرابلس اليائسين الذين تقطعت بهم السبل، فإما أن يتحوّلوا لقطّاع طرق و"زعران" يسرقون وينهبون ويفرضون الخوّات على أهلهم من أبناء المدينة، وإما يتواصلون مع التنظيمات الإرهابية لتأمين هروبهم من المدينة، والقتال إلى جانبها، ويتحوّلون حطباً في معارك لا تنتهي.

تبذل دار الفتوى وأطراف أخرى مساع لتأمين عودة الشبان الذين التحقوا بداعش، وربما ينجحون في مساعيهم، لكن المؤكد أن عدم معالجة الأسباب التي عبّدت طريق التغرير بهؤلاء الشبان لن يحول دون تكرار ما حصل. فما يدفع شبان المدينة لتعاطي المخدرات وسلوك الإجرام والإرهاب هو الفقر والجهل والإحباط. شعورهم بأنه لم يعد هناك ما يخسرونه، وأن حياتهم لم تعد ذات قيمة. إدراكهم بأن دولتهم بأجهزتها الأمنية والقضائية تناصبهم العداء، وتسعى للزجّ بهم في السجون والاقتصاص منهم لأسباب يجهلونها، وتشديد الأحكام بحقهم، في وقت تتساهل مع آخرين، عملاء ومجرمين وقتلة. شعور أبناء المدينة أن السلطة تريد عقابهم، لا رعايتهم. يشعرون أن النواب الذين انتخبوهم والأحزاب التي صفقوا لها يستغلونهم ويستخدمونهم لتنفيذ مصالحهم الخاصة. فمن الواضح أن السلطة ونواب المدينة وأحزابها تريد أن يبقى حال أبناء طرابلس بفقر وعوز ويأس، كي تسهل قيادتهم وتوجيههم حيث يريدون. تارة يستخدمونهم وقوداً للثورة فيملأون بهم ساحة النور أشهراً، تارة أخرى يجعلونهم يقاتلون بعضهم كما حصل في جولات القتال بين جبل محسن وباب التبانة، ودائماً يتمّ استغلال أصواتهم للفوز في الانتخابات بعدما يخدعونهم بوعود كاذبة، ويتكرّمون عليهم ببضعة دراهم سرعان ما يعاودون نهبها من جيوبهم.

أوّاب إبراهيم