العدد 1390 / 11-12-2019

يؤكد الرؤساء والوزراء والنواب في كل مناسبة أنهم حريصون على تطبيق الدستور والتمسك به. لكنهم في الواقع، يعملون في كل مناسبة على خرق الدستور ومخالفة روحه، وفرض أعراف جديدة تتناقض مع الدستور.

أبرز خرق ارتكبه قبل أسابيع رئيس الجمهورية بتجاوز ما نص عليه الدستور من الدعوة لاستشارات نيابية ملزمة تمهد لتكليف رئيس حكومة جديد. ففخامة الرئيس أراد التذاكي على الدستور، واستغلّ عدم تحديد النص الدستوري مهلة زمنية بالتكليف، متجاهلاً أنه المسؤول الوحيد في الدولة الذي أقسم اليمين على تطبيق الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وأبرز هذه المؤسسات هي رئاسة الوزراء. فأهمل الدعوة للاستشارات النيابية، ومنح نفسه حقاً لا أصل له بإجراء مشاورات غير دستورية حول هوية الشخص المكلف، وكلف صهره مفاوضة الشخصيات المقترحة والاشتراط عليها حول شكل الحكومة والحصص الوزارية، ضارباً عرض الحائط حقيقة أنه لا هو ولا صهره ولا حلفاؤه يحق لهم التدخل بتسمية رئيس الوزراء المكلف، اللهم إلا من خلال النواب الذين يمثلونهم في الاستشارات. أما عن شكل الحكومة، فرئيس الحكومة وحده هو المسؤول عن إجراء الاتصالات والمشاورات لتشكيل الحكومة.

العرف الآخر الذي نجح رئيس الجمهورية وفريقه بفرضه دون وجود سند دستوري له، هو أن يمتلك حصة وزارية إضافة لحصة وزارية ينالها فريقه السياسي. أي أنه فعلياً حاز حصتين وزاريتين رغم أنه طرف واحد. يستند الرئيس وفريقه إلى سابقة حصلت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، حينها تم منحه حصة وزارية نظراً لعدم امتلاكه كتلة نيابية ممثلة في الحكومة، وقيل يومها أنه من غير المنطقي أن لا يتمثل الرئيس في الحكومة، فكان المخرج بمنحه حصة وزارية. يومها اعترض العماد ميشال عون واعتبر منح الرئيس وزراء هرطقة دستورية، لكنه حين وصل لموقع الرئاسة، أُعجب فجأة بهذه الهرطقة وألزم بها الآخرين.

من الأعراف الغريبة التي يحاول رئيس الجمهورية وفريقه السياسي فرضها في المرحلة الراهنة هي ربط وجود الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة بوجود صهر الرئيس جبران باسيل في عدادها، فإما يكونان معاً في الحكومة، وإما يكونان معاً خارجها. هذا المنطق يتضمن مخالفتين، الأولى دستورية والثانية سياسية. أما عن المخالفة الدستورية، فكما أسلفنا من يحدد هوية رئيس الحكومة هم النواب من خلال الاستشارات الملزمة التي يفترض أن يدعو إليها رئيس الجمهورية فور قبول استقالة الحكومة، ولا علاقة لا لرئيس الجمهورية ولا لصهره بنتيجة هذه الاستشارات، سواء جاءت لمصلحة سعد الحريري أو لغيره. أما المخالفة السياسية، فهي ربط وجود سعد الحريري على رأس الحكومة بوجود جبران باسيل فيها، علماً أن التسوية –الكارثة- التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية قضت بمجيء سعد الحريري رئيساً للحكومة، ولم يرد في هذه التسوية أي ذكر لجبران باسيل. وعليه فإن اشتراط الربط بين الحريري وباسيل لامحل له من الإعراب.

الأعراف الجديدة المخالفة للدستور لاتنحصر برئيس الجمهورية وفريقه السياسي، فهي تشمل كل القوى السياسية الأخرى. على سبيل المثال لا الحصر، حزب الله يفرض على الحكومة نصّاً معيناً لبيانها الوزاري يشرّع سلاحه الذي يحتفظ به دون بقية اللبنانيين. ورئيس مجلس النواب نبيه بري يشترط عُرفاً مخالفاً للدستور أن يكون وزير المالية تابعاً له كي يكون مشاركاً في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، التي تتطلب توقيع وزير المالية إلى جانب تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص. الرئيس سعد الحريري بدوره ليس خارج منظومة ابتكار أعراف مخالفة للدستور. فهو استحدث قبل أيام عُرفاً جديداً، حين استخدم دار الفتوى وسيّدها لإحراج وإخراج أحد الذين طُرحت أسماؤهم لتولي رئاسة الحكومة، وحين زار المرشح المفتي أتاه الجواب أن مرشح دار الفتوى لرئاسة الحكومة هو سعد الحريري، علماً أنه لاعلاقة لدار الفتوى بتحديد هوية رئيس الحكومة، كما لا علاقة لبكركي بانتخاب رئيس الجمهورية، ولا علاقة للمجلس الشيعي الأعلى باختيار رئيس لمجلس النواب.

سلطة أثبتت بجدارة فشلها في إدارة البلد ومعالجة أزماته، لكنها أثبتت براعتها في خرق الدستور واختراع أعراف لا تؤدي سوى لمزيد من الفساد والانهيار.

أوّاب إبراهيم