العدد 1409 / 15-4-2020

طمأن رئيس مجلس النواب نبيه بري اللبنانيين بتصريحات حرص على توزيعها على وسائل الإعلام بأنه "قرأ الفاتحة" على مشروع "الهيركت" الذي كانت الحكومة تعتزم تنفيذه. وسبق لبري أن طمأن اللبنانيين أنه قام بدفن مشروع "الكابيتال كونترول". إجراءات البنوك لم تتغير، وهي مازالت تمتنع عن دفع أموال المودعين، كما أن مصرف لبنان والحكومة ومعهما المصارف يصرّون على الإبقاء على سعر صرف الدولار الرسمي كما هو، مما يعني إفقاد ودائع المودعين قرابة 50% من قيمتها الحقيقية إذا تمّ صرفها حسب سعر الصرف الدولار المتداول في السوق الذي "نطح" عتبة الثلاثة آلاف ليرة.

إذاً ما قام به الرئيس بري هو عرقلة قوننة الهيركات والكابيتال كونترول وليس وقف تطبيقها. فالمصارف منذ سبعة أشهر تتعسف باستخدامها على أموال المودعين دون أي سند قانوني، غير عابئة لا بدولة ولا بقانون ولا بمصرف لبنان ولا بأحوال المودعين الذين باتوا يستجدون مصروفهم الأسبوعي بالوقوف على أبواب المصارف. ما قام به بري تجاه الهيركات والكابيتال كونترول كان يستحق التقدير والتصفيق لو كنا في دولة تحترم القانون وتلتزم به وتحاسب من يخالفه، لكن الواقع في لبنان، أن الدولة نفسها لا تحترم القانون ولاتلتزم به وهي في مقدمة المخالفين له. فالقوانين لاسيما قانون النقد والتسليف تمنع المصارف من المساس بأموال المودعين والحجر عليها والتحكم بتحويلاتها، لكن المصارف تفعل كل ذلك أمام أعين الدولة وأجهزتها الرقابية دون أن يتحرك أحد. وإذا تجرأ أحد المتضررين من إجراءات المصارف وقدم شكوى قضائية يتم إهمال الشكوى ويرفض القضاة متابعتها بإشارة واضحة من أركان السلطة وتحريض من أصحاب المصارف. ليس هذا فحسب، بل إن أصحاب المصارف يستقبلهم المسؤولون والرؤوساء بكل ترحيب وحفاوة أمام أعين اللبنانيين دون أن يرفّ لهم جفن أنهم يرحبون بمن يحجرون على أموال الشعب اللبناني ويخالفون القوانين. وإذا صدر في المستقبل تعميم أو قانون يكرس الهيركات أو الكابيتال كونترول تقول السلطة فلنبدأ من اليوم، وعفا الله عما مضى، وكل المخالفات القانونية التي ارتكبتها المصارف خلال الأشهر الماضية يتم طيّها وتجاوزها رغم الأضرار التي لحقت بالمودعين.

الإشكالية الأساسية في لبنان تكمن في عدم وجود رغبة بتعديل القوانين ولو أدى ذلك للاستمرار في مخالفتها. فالسلطة تجد حرجاً كبيراً في إجراء تعديلات للقوانين تتناسب مع الحاجة والضرورة، لكنها لاتجد أي حرج في مخالفة القوانين النافذة وإهمالها وعدم احترامها ورفض القضاء ملاحقة المخالفين. وإذا كانت قضية الهيركات والكابيتال كونترول تتعلق بالمصارف، فإن قضايا أخرى تتعلق بالدولة نفسها ورجالها الذين يفترض أن يكونوا هم الحريصون على تطبيق القانون وملاحقة مخالفيه.

يؤكد الدستور في المادة 95 على أنه "تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية...". في حين أن مرسوم التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى قبل أسابيع نائم في أدراج وزيرة العدل التي ترفض توقيعه بسبب أن التشكيلات همّشت قضاة محسوبين على الفريق السياسي التابع لرئيس الجمهورية، وعُلم أن رئيس الجمهوية استاء من مجلس القضاء الأعلى لأنه أقرّ التشكيلات، دون مراجعته علماً أن السلطة القضائية حسب القوانين هي سلطة مستقلة ولايجوز لأي سلطة أخرى الوصاية عليها. فتجدهم يتمسكون بشعار استقلال القضاء، لكنهم يحترفون التدخل بشؤونه والتحكم بقضاته والضغط عليهم والإطاحة بمن لايستجيب لهم أو من يرفض أن يكون ضيفاً دائماً على مجالسهم.

ترفض السلطة قوننة التوزيع الطائفي والسياسي للمناصب والمراكز في مختلف إدارات الدولة، بداعي التمهيد لإلغاء الطائفية السياسية، لكن الواقع يكشف أن الطائفية والتبعية السياسية للحزب والزعيم تنخر إدارات الدولة ومؤسساتها ووزاراتها وأجهزتها العسكرية والأمنية من أعلى المناصب حتى أصغر حاجب في أصغر بلدية.

سلطة تدّعي التمسك بالقوانين، لكنها ترفض تعديلها، وتحترف خرقها.

أوّاب إبراهيم