العدد 1334 / 24-10-2018

قبل يومين تناقلت وسائل الإعلام ومعها وسائل التواصل الاجتماعي خبر استشهاد شاب فلسطيني في منطقة الخليل بالضفة الغربية المحتلة , "بزعم" محاولة طعن جندي إسرائيلي. يُفهم من الخبر أن التهمة الإسرائيلية الموجهة للشهيد هي مجرّد ذريعة كاذبة لتبرير قتله، بينما لم يكن الشاب يعتزم طعن أحد. محاولات طعن جنود الاحتلال شاعت في الآونة الأخيرة بعدما انعدمت وسائل المقاومة الأخرى، ولم يتبقَ أمام الفلسطينيين مساحة للتعبير عن رفضهم للاحتلال سوى محاولات الطعن والدهس التي تحصل بين حين وآخر. لكن المتضامنين مع الشعب الفلسطيني مصرّون على سلب بطولة المقاوم الذي وضع كفنه على يده، واستلّ سكيناً محاولاً قتل جندي إسرائيلي يحتلّ أرضه وينتهك كرامته، ليعلن أمام العالم أن المقاومة مستمرة , وأن الشعب الفلسطيني لن يعدم وسيلة للتعبير عن رفضه للاحتلال، فيسرقون بطولة الشاب ويحوّلونه من منفذ عملية بطولية استشهادية إلى شاب مسالم كان "يمشي حدّ الحيط"، مارس عليه الاحتلال إجرامه فقتله.

في مؤشر على همجية الاحتلال وإجرامه، يردد المتضامنون مع الشعب الفلسطيني مقولة أن الاحتلال يقتل الأطفال ويعتقل المئات منهم في سجونه. علماً أن التدقيق في هذه المقولة يكشف جانباً آخر وأكثر إشراقاً. فالأطفال الذين يتحسر البعض على طفولتهم المعذبة هم في الواقع رجال سبقوا الزمن ليكونوا إلى جانب المقاومين يدافعون عن أرضهم. ولعلّ ما تشهده المنطقة الحدودية بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة من مواجهات كل يوم جمعة تكشف أن شريحة واسعة من الذين يرشقون الحجارة ويحرقون الإطارات المشتعلة ويطلقون الطائرات الورقية باتجاه المستوطنات هم من الفتية الأطفال. لذلك، كان طبيعياً أن يسقط من بينهم شهداء وجرحى. هذا لايقلّل من إجرام الاحتلال ودمويته.

إلى جانب الرجال والأطفال، يعتقل الاحتلال الإسرائيلي في سجونه عشرات النساء. وكما في السقطات السابقة، ينظر كثيرون إلى اعتقال النساء كمؤشر على همجية الاحتلال، دون أن يلتفتوا إلى حقيقة أن المرأة الفلسطينية باتت تقف إلى جانب الرجل في مواجهة الاحتلال، وهي لم تتركه يحظى بهذا الشرف منفرداً. ففي تاريخ النضال الفلسطيني نفذت ريم الرياشي عملية استشهادية وهي أم لطفلين، وخططت المجاهدة أحلام التميمي لعمليات أخرى وغيرهما كثيرات، ساهمن في المقاومة والنضال، لكن البعض لاينظر إلى هذا الجهد، فيسلب المقاومات بطولتهن، ويكتفي بالنظر إليهن كشهيدات ومعتقلات مكلومات ومظلومات.

الأمر نفسه يسري على أطفال المعتقلات الذين تقوم أمهاتهم برعايتهم في السجون. فكثيرون وجدوا ذلك إمعاناً من الاحتلال في ظلمه وإجرامه، في حين أن الوجه المشرق يتلخص بأن المعتقلات في السجون لم يتخلين عن واجبهن في رعاية أبنائهن ولو كنّ معتقلات في السجون. وربما لو قام الاحتلال بإخراج الأطفال من السجون لسمعنا من يتهم الاحتلال بتفريق الأم عن أطفالها وحرمان الأطفال من رعاية أمهاتهم..

سقطة أخرى يقع فيها كثيرون، هي التغافل عن الإنجازات والنجاحات الكثيرة التي حققها ويحققها الأسرى والمعتقلون في السجون، ويقصرون نظرتهم على التعذيب والظلم الواقع بالأسرى. أذكر أن معظم المبعدين الفلسطينيين الذين أبعدهم الاحتلال عام 1992 إلى منطقة مرج الزهور في لبنان، كانوا من حملة الماجستير والدكتوراه , وأخبرونا حين كنا نجالسهم أن حصولهم على شهاداتهم العليا تمّ حين كانوا في السجون، وبعضهم كان يُسمح له بالانتقال إلى الجامعة لتقديم الامتحان فيها، وبعضهم حصل على شهادات عليا من جامعات عبرية، بل إنهم أنشأوا على صخور مرج الزهور جامعة أطلقوا عليها اسم جامعة "ابن تيمية" حرصاً منهم على متابعة تحصيلهم العلمي في رحلة إبعادهم التي لم يكن يُعرف موعد انتهائها.

أفهم أن يحرص البعض من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني على إبراز ما يتعرضون له من قتل وظلم واعتقال من جانب الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا الحرص لاينبغي أن يحجب جوانب مبدعة ومشرقة تمنح أبعاداً أخرى للنضال الفلسطيني.

أوّاب إبراهيم