العدد 1398 / 29-1-2020

أرسل إلي أحدهم مقترحاً أن أكتب حول أسباب ودوافع التخبّط الذي أصاب تيار المستقبل يوم انعقاد جلسة إقرار الموازنة العامة قبل أيام. كان جوابي أن الاستجابة للاقتراح مهمة مستحيلة، فتحليل الأفعال ودوافعها يتطلب منطقاً سليماً وسياسة مفهومة ومساراً واضحاً لتحقيق المصالح، في حين أن ما قام به تيار المستقبل رسم صورة كاريكاتورية متناقضة، من المتعذر فهم أهدافها ودوافعها وأسبابها. ذلك أن مناصري تيار المستقبل في ذلك اليوم تجمّعوا في الشوارع والساحات، وحاولوا تعطيل جلسة مجلس النواب باعتراض طريق النواب المتوجّهين للمجلس، فالجلسة برأيهم تمنح شرعية لحكومة حسان دياب التي يُفترض أنّ الرئيس الحريري وتياره غير راضين عنها ولا عن رئيسها. في مقابل الاعتراض في الشارع، حضرت كتلة الحريري إلى مجلس النواب لتستكمل بحضورها النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، ولو غابت لانفرط عقد الجلسة. ليس هذا فحسب، فقد أعلن أحد نواب الكتلة عدم دستورية الجلسة لكنه استمر ورفاقه بحضورها مؤمّناً نصابها ودستوريتها. أكثر من ذلك، تصويت النواب تمّ على الموازنة التي سبق لحكومة الرئيس سعد الحريري أن قامت بإعدادها قبل استقالته، ولولا الاستقالة لكان الحريري المدافع الأول عنها، لكن كتلة المستقبل صوّتت ضد الموازنة التي لم يغيّر حسان دياب حرفاً فيها(؟!).

ما هي الوجهة، ما هو القرار السياسي، ما هي الرؤية، ما هو المشروع، أنتم مع مَن وضد مَن؟ خيبة أمل، إحباط، ذهول، دهشة، حيرة، ضياع، كلمات تلخص حال مؤيدي ومناصري تيار المستقبل ، فهم لا يفهمون ما يريده الرئيس سعد الحريري، لايعرفون هو يؤيد ماذا ويعارض ماذا. يريدون إرضاءه فلا ينجحون. نزلوا إلى الشارع ظنّاً منهم أنهم يلبون رغبته بتعطيل الجلسة، وخاضوا في سبيل ذلك مواجهات مع القوى الأمنية فتعرضوا للضرب والاعتقال، لكن كتلة الحريري حضرت وأكملت بحضورها النصاب، ثم بعد ذلك حجبت ثقتها عن موازنة صنعها وخبزها الحريري في حكومته السابقة.

هي ليست المرة الأولى التي تشعر فيها القاعدة الشعبية لسعد الحريري بالضياع والحيرة، فهو منذ ورث الزعامة خلفاً لوالده وجمهور المستقبل يقفز من خيبة لأخرى، ومن نكبة لأخرى، ومن إحباط لإحباط. لدرجة أن من تبقى من مؤيدين مخلصين له، أسقط من أيديهم، ولم يعودوا يدرون كيف يدافعون عن زعيمهم وتياره.

سبق للحريري أن أوقع مناصريه بخيبة حين وافق على قانون انتخابي يقلّص نفوذه ويأكل من مقاعد كتلته النيابية. كان بإمكان الحريري رفع الراية الحمراء وعدم السير بالقانون الانتخابي، لكنه رضخ وانعكس رضوخه في الانتخابات تراجعاً في شعبيته.

خضع الحريري لمطلب خصومه بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. استمر خصومه بتعطيل مجلس النواب لعرقلة انتخاب الرئيس مصرّين على عون، وكان بإمكان الحريري الإصرار على موقفه والتمسك بالمرشح الذي يريده. لكنه مرة أخرى استجاب لخصومه وأبرم تسوية قضت بانتخاب عون رئيساً ويكون هو رئيساً للحكومة. صار عون في قصر بعبدا لكن الحريري بات خارج السراي الحكومي.

جيّش تيار المستقبل الشارع بمواجهة حزب الله وجمهوره، ونشبت عدد من المواجهات بين الشارعين، ووصل الاحتقان الطائفي الى ذورته بعدما ارتكب حزب الله وحلفاؤه خطيئة 7 أيار. من جهة أخرى، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قراراها الظني باتهام قياديين في حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري. رغم ذلك عاد سعد الحريري وشارك حزب الله في الحكومة التي تلت اتفاق الدوحة، ومنحهم الثلث المعطل الذي طالبوا به، رغم قدرته على عدم الاستجابة لهم.

جيّش سعد الحريري شارعه بمواجهة النظام السوري الذي –حسب الحريري حينها- اغتال والده. صار النظام السوري شيطاناً رجيماً لدى جمهور المستقبل ومؤيديه، لكن الحريري عاد بعدها وزار رئيس النظام بشار الأسد وبات ليلته في قصر المهاجرين بدمشق.

طبعاً لاداعي للتفصيل بقضية العارضة الجنوب أفريقية التي قبل ان الحريري أهداها 15 مليون دولار في الوقت الذي أوقف دفع رواتب موظفيه، ولا السنوات التي قضاها الحريري في منتجعات باريس يمارس التزلج في الوقت الذي كان جمهوره يدافع عنه باللحم الحيّ في لبنان.

على سعد الحريري أن يرحم مناصريه ومؤيديه ومحبّيه، عليه أن يعتقهم من تنازلاته وانكساراته المتتالية، فكثير منهم لم يعودوا يطيقون التصفيق لزعيم لا يأتيهم منه إلا الخيبات.

أوّاب إبراهيم