أواب إبراهيم

بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى قطر، طُلب مني إعداد تقرير حول العلاقات القطرية اللبنانية، وأبرز المحطات التي مرت بها هذه العلاقة. وقد تبيّن لي أن جميع المحطات التي مرت بها العلاقة بين البلدين كانت إيجابية، وكان لحزب الله حصة الأسد منها. 
المحطة الأولى كانت الزيارة المفاجئة التي قام بها أمير قطر –آنذاك- الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد ساعات قليلة من وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. احتار أبناء الضاحية في ما يفعلون، فهل يلملمون جراحهم ويجمعون ما تبقى من منازلهم التي دمرها العدوان الإسرائيلي، أم يحتفون بقدوم زعيم عربي جاء ليواسيهم ويخفف عنهم؟ مفاجأة حزب الله كانت أكبر. فالزعيم العربي يجول في شوارع ضاحيتهم في الوقت الذي ما زالوا تحت الأرض تجنباً لاستهداف الطائرات الإسرائيلية.
شكلت زيارة الأمير القطري انطلاقة لعلاقة قوية مع حزب الله، انعكست في تمويل قطر إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان بتكلفة زادت على 300 مليون دولار، شملت إعادة بناء نحو 170 ألف وحدة سكنية، و630 منشأة صحيّة وتربوية، ودور عبادة في 195 قرية. العلاقة الإيجابية بين الجانبين تواصلت في السنوات التي تلت، وقد شكلت العامل الأبرز في نجاح قطر بجمع الأطراف اللبنانية المتخاصمة في فندق الشيراتون بالدوحة، وصولاً لتوقيع اتفاق يقضي بانتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة يملك فيها حزب الله وحلفاؤه الثلث المعطل، وهو ما كان يطالب به الحزب منذ البداية ويرفضه الطرف الآخر. 
تواصلت العلاقة الإيجابية بين قطر وحزب الله بعد توقيع اتفاق الدوحة، وقد شكلت الحفاوة والترحيب والتهليل والتصفيق الذي حظيت به زيارة أمير قطر إلى الجنوب اللبناني عام 2010 لتدشين المشاريع القطرية انعكاساً واضحاً للتقدير والإعجاب والاحترام الذي تحظى به قطر لدى قيادة حزب الله. وفي كلمته في الاحتفال الذي أقيم في بلدة بنت جبيل الجنوبية بحضور رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، نقل النائب محمد رعد «شكر السيد حسن نصرالله لقطر وشعبها وأميرها وحكومتها المساعدة في إعادة إعمار الجنوب، مثمناً الجهود التي بذلتها خلال العدوان الإسرائيلي لإنهائه»، واعتبر رعد أن «الإسراع في إعادة إعمار القرى التي هدمتها «إسرائيل» يعود الفضل فيه لدولة قطر وأميرها الذي أصرّ على مباشرة العمل وإنجازه بإشراف ومواكبة متواصلة». تسلّم أمير قطر خلال الزيارة مفاتيح عدد من بلدات وقرى الجنوب، ونظّمت له عروض الدبكة والخيّالة، ونحرت على شرفه الجمال والخراف، وعمّت أرجاء لبنان لافتات الترحيب والشكر لقطر، وصارت عبارة «شكراً قطر» على كل لسان.
حتى ذلك الحين كانت العلاقة بين قطر وحزب الله «متل السمن على العسل»، وكان حزب الله وسوريا وإيران يصنّفون قطر في محورهم الذي أطلقوا عليه اسم «المقاومة والممانعة». لكن هذا الحال تبدّل بقدرة قادر بعد اندلاع شرارة الربيع العربي، وانطلاق الثورة في سوريا ووقوف قطر إلى جانب الشعوب في مواجهة أنظمتها الفاسدة. حينها تبدّل الحال وتغيّرت الأحوال، ولم تعد قطر تستحق الشكر على كل ما قدمته، وتراجع حزب الله عن كل ما قاله بحق قطر من تقدير، وباتت قطر داعمة الإرهاب والإرهابيين، ومصنعاً لتخريج وتمويل التكفيرييّن، وانتقلت قطر بنظر حزب الله إلى محور الشر الذي يتآمر على المقاومة وفلسطين، رغم أن قطر تواصل دعم المقاومة الفلسطينية، وتواصل مساعيها لفك الحصار المفروض على غزة، وهي تموّل بمئات ملايين الدولارات مشاريع إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على القطاع، كما أنها تحتضن قيادة حماس على أرضها. 
الواضح هو أن قطر لم تتغيّر، فمواقفها الداعمة للمقاومة ما زالت هي هي، الذي تغيّر هو أن حزب الله وحلفاءه هم الذين تغيّروا، وغرقوا في دماء الشعوب العربية والإسلامية، تاركين العدوّ الإسرائيلي يتفرّج عليهم ويصفق لهم.