العدد 1332 / 10-10-2018
أواب إبراهيم

أيام قليلة ويتراجع اهتمامنا بمصير الصحافي السعودي جمال خاشقجي، دون أن نعرف ما إذا كان مختطفاً أو مقتولاً، في ظل عدم ظهور دلائل حسيّة تتعلق به. أيام قليلة ويصبح خاشقجي قضية من الماضي، فتتراجع وسائل الإعلام عن تناقل قضيّته ويتناساه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعدما كان نجمها في الأيام الماضية.

هو زمن العار هذا الذي نعيشه، الزمن الذي يصبح فيه المواطن الصالح رقماً يسحقه الحاكم ساعة يشاء، هو زمن العار الذي يستسهل فيه الحاكم قتل شعبه دون أن يخشى محاسبة أو مراجعة . هو زمن العار الذي تصبح فيه الكلمة الصادقة الناصحة مزعجة للحاكم، الذي لايريد سوى التصفيق والتهليل ونثر الأرز والورود. زمن العار هذا الذي يبعد الحاكم من حوله أصحاب الرأي ويقرّب الغنم الذين يؤيدونه بكل ما يقول ويفعل ولو كان بذلك خراب المملكة.

لن يجد الحاكم الكثير من أمثال جمال خاشقجي الذي أخفاه ، وسلمان العودة ومثله العشرات من أصحاب الرأي الذين زجّ بهم في السجن، لالشيء إلا لأنهم يقولون رأيهم هم لا رأي الحاكم. المطبلون كثر، لكنهم لن يفيدوا الحاكم بشيء ، بل على العكس، لأنهم لايريدون سوى رضى الحاكم عليهم وعطاياه وأمواله. أما خاشقجي وأمثاله، فهم الذين لا يريدون سوى نجاح الحاكم وتقدمه ورفاهية بلدهم وأهلهم، وفي سبيل ذلك هم لم يفعلوا أكثر من النصح وإبداء الرأي بحرية مع الحرص على احترام وتقدير للحاكم. هؤلاء هم من بات الحاكم بأمس الحاجة إليهم بعد سلسلة الأخطاء والكوارث التي تسببت بها قراراته، هؤلاء هم من يجب أن يعطيهم أذنه واهتمامه وأن ينصت لهم. لكن زمن العار هذا ليس زمن النصح والاحترام . كان المطلوب أن ينضم خاشقجي إلى جوقة المهللين والمطبلين والمبتهلين إلى الله بطول العمر للحاكم. كان المطلوب أن لا يتحدث خاشقجي إلا بالثناء والمديح للحاكم ولمندوبيه . كان المطلوب أن يتحدث خاشقجي بكلام الحاكم وآرائه لا بكلام مخالف له.

سواء تكشفت الحقائق أم أن حرفيّة القتلة المجرمين حالت دون أن تظهر خيوطها، لكن ذلك لن يخفي دموية من ارتكب هذه الجريمة . والمجرمون في حالتنا هذه كثر، من خطط للجريمة، ومن نفذها، ومن حاول التستر عليها وإخفاء آثارها، وكذلك من ارتكبت لإرضائه. كلهم مجرمون وكلهم مسؤولون.

ما هكذا تبنى الدول، ولا هكذا تعمر الممالك. استقرار الحاكم في حكمه لا يكون بإرعاب الشعوب والبطش بهم. بل بمنحهم الحرية والديمقراطية. هذه هي الكلمات التي كان يرددها جمال خاشقجي في كل مكان يكون فيه، وهذه هي الكلمات التي أدت لإخفائه وإخفاء كل من يشاطرونه الرأي والحكمة.

منذ وصل الحاكم إلى سدّة حكمه رفع لواء الحرب على الإرهاب والتطرف، ودشن مع رأس الإرهاب في العالم (الولايات المتحدة) مركزاً دولياً لمحاربة الإرهاب صرف عليه مليارات الدولارات. لكن من الواضح أن الحاكم لايدري أن قمع الشعوب والبطش بقادة الرأي فيها هو ذروة الإرهاب. فقتل من خالفونه الرأي وإخفاء وسجن كل صوت حرّ و ناصح يريد الخير لكل الناس هو الإرههاب بأبهى تجلياته. حينها، لايكون الحاكم مرتكباً للإرهاب فقط، بل يغذيه ويقوّيه. فحين لايترك الحاكم مكاناً لأصحاب الرأي والحكمة النصح إلا تحت الأرض وفي السجون، يملأ المكان آخرين. المطبلون والمهللون والمصفقون للحاكم، وكذلك بشر مسحوقون، سلبهم الحاكم كرامتهم، فلم يجدوا طريقاً للانتقام إلا بسلوك درب العنف والإرهاب في محاولة للتخلص من الظلم اللاحق بهم، أو الانتقام ممن ظلمهم، وهذا الانتقام في غالب الأحيان يكون أعمى. فإذا قضت الصواريخ والقذائف على داعش، فإن دواعش أخرى تتحضّر للخروج.

أوّاب إبراهيم