أواب إبراهيم

مع كل يوم نقترب فيه من موعد إجراء الانتخابات النيابية، ترتفع وتيرة الخطابات والتصريحات التي تختطف القلوب وتأخذ في طريقها العقول. لذلك كان لزاماً تقديم بعض التوجيهات والنصائح للمشاركين في اللقاءات والمهرجانات الانتخابية للاستفادة من هذه المشاركة قدر المستطاع. 
بداية لا بدّ من إدراك أن الرسم المالي الذي دفعه المرشح لخوض الانتخابات النيابية سرعان ما سيقوم بتعويضه بعد الفوز في الانتخابات، وهو ما ينطبق كذلك على تكاليف المهرجانات الانتخابية التي ينظمها، وصدور الكنافة التي يوزعها، وكروت التلفون التي يتبرع بها لمناصريه. يكفي أن تعلم أن حصة كل نائب من الزفت الانتخابي قيمتها 100 مليون ليرة.
كذلك لا بدّ من إدراك أن المهرجانات الانتخابية هي فرصة نادرة للمواطن البائس الدرويش للحصول على انتباه المرشح واهتمامه. فبعد الانتخابات، سواء فاز المرشح أو خسر، فإن هذا المواطن يعود لصيغته السابقة في عقل المرشح باعتباره وقوداً انتخابياً لن يحتاجه لسنوات قادمة. لذلك عليك أخي المواطن الدرويش استغلال الفرصة وسكب ما تستطيع من «سماكة دم» وجرأة في التعبير عن أفكارك وأسئلتك، لأنك مهما كنت جريئاً ومزعجاً ووقحاً في ما تقول، فإن المرشح سيبتسم، وسيشكرك لأنك تحدثت بهذا الموضوع المهم والمفصلي، وسيثني على وعيك السياسي ونضجك، بعدها سيغوص في مواضيع لا علاقة لها بحديثك فتضيع أنت ويضيع الجميع وينهي حديثه آملاً أن يكون قد أجاب على كلامك. في هذه اللحظة أنت أمام خيارين، إما أن تومئ برأسك موافقاً على ما قال وتتناغم مع حفلة النفاق التي يقودها المرشح ومن حوله، وإما أن تواصل جرأتك وتكرر حديثك لأنك لم تحصل على ما تريد، وكن على ثقة بأنك مهما كنت فظاً فإن أحداً لن يتجرأ على انتقادك حينها، فموعد الانتقام منك ومن وقاحتك سيتأجل إلى ما بعد الانتخابات النيابية.
عليك أن تدرك أن كل الخطابات التي يرددها المرشح هي عبارة عن كلمات متناسقة متناغمة، وعلى الأرجح تكون مصفوفة على قافية واحدة لجذب الاهتمام، لكنها بلا معنى ولا مضمون، ويشكل الكذب فيها نسبة عالية.  فالمرشح إذا فاز في الانتخابات –أقول إذا- فإنه بذلك يكون قد ضمن الجلوس على كرسي في قاعة مجلس النواب، وإذا كان النائب الفائز متخصصاً في مجال معيّن ونشطاً و«حابب يشتغل»، فإنه يشارك في أعمال اللجان النيابية. أما ما عدا ذلك فإن كل خطابات النائب قبل انتخابه عن محاربة الفساد، ومواجهة الطائفية، وتطهير الإدارة، وفضح الفاسدين والسارقين والمجرمين، ستبقى في إطار الخطابات والشعارات، لكنها لن تتعدى ذلك، فحتى لو كان النائب شريفاً عفيفاً نزيهاً، وحتى ولو كانت نيّته صادقة بمحاربة الفساد ومواجهة الفاسدين والسعي للإصلاح وكشف المجرمين، فإنه لن يتمكن من فعل شيء، فالمنظومة التي تقود الدولة وتتحكم في مسارها تقع خارج صلاحيات نائب أو نائبين أو كتلة نيابية، هي دولة عميقة من الفساد عابرة للطوائف والخلافات السياسية، تنخر أجهزة الدولة ومؤسساتها، هدفها المشترك الوحيد هو مصلحة أطرافها. وعليه فإن الخيار أمام أي نائب دخل مجلس النواب إما أن يسعى للمشاركة في منظومة الفساد ويلتحق بمن سبقه من نواب، وإما أن يكتفي بترداد الخطابات التي اعتاد استخدامها منذ الحملة الانتخابية.
أما إذا سوّلت لنفس النائب القيام بخطوات حقيقية لمواجهة الفساد وكشف الفاسدين وتسميتهم والمطالبة بمحاسبتهم، فليعلم أنها الدورة الانتخابية الأخيرة له في مجلس النواب، ولينتظر تضييقاً ومحاصرة وربما فبركة ملفات قضائية كما شهدنا في قضية زياد عيتاني.
يدرك النواب ويدرك المرشحون ويدرك معهم جميع اللبنانيين، أن الانتخابات النيابية لن تقدم ولن تؤخر، وأن «الدولة العميقة» التي تتحكم بمفاصل الدولة، وتقود أوركسترا الفساد لا هي في مجلس النواب ولا حتى في مجلس الوزراء، بل في مكان آخر. جلّ ما ستفعله الانتخابات هو تغيير بعض الوجوه، وتحريك الملايين من جيوب المرشحين، وتقديم لبنان إلى العالم على أنه بلد ديمقراطي.