العدد 1478 /15-9-2021

ليس تخفيفاً من وقع الهزيمة التي ألمّت بالإسلاميين في المغرب، لكن الإنصاف يقضي بعدم تحميلهم بمفردهم وزر التراجع الكبير الذي حلّ بهم. فكما أن التقدم الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في العقد الأخير لا يعود فضله لأدائه، كذلك حال الخسارة والتراجع.

فثورات الربيع العربي عام 2011 والحراك الذي شهدته معظم أقطار المنطقة وصلت آثاره للمغرب، فشهد تظاهرات شعبية طالبت بالتغيير والإصلاح ومكافحة الفساد. وجد النظام الحاكم بخلاف أقطار أخرى أن امتصاص حراك الشارع يكون بإفساح المجال أمام الإسلاميين لوصولهم إلى السلطة. فخاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات محققاً المركز الأول مما أهّله لترؤس الحكومة بالشراكة مع بقية الأحزاب. الأمر نفسه تكرر عام 2016 وحقق الحزب تقدماً إضافياً أهّله مرة أخرى لترؤس الحكومة.

منظومة الحكم كان بإمكانها خلال السنوات العشر الماضية أن تعرقل مسيرة الحزب الإسلامي في الحكم، وأن تضيّق عليه، وربما كان بإمكانها أن تزوّر الانتخابات بما لايسمح بفوزه، أو أن يتم تأجيل الانتخابات وعدم إجرائها لأسباب وذرائع كثيرة. لكن هذه المنظومة، على عكس المنتظر، ساندت ودعمت وسهّلت فوز الإسلاميين، ولم تضع العراقيل في طريقهم، لاسيما أن حزب العدالة والتنمية نفّذ خلال الحكومات التي شكلها كل ما كانت منظومة الحكم تطلبه. هذا لايعني بالطبع أن الحزب الإسلامي فاز بفضل المنظومة الحاكمة وأنه لا يتمتع بالشعبية المطلوبة. لكن هذه الحيثية الشعبية تآكلت خلال السنوات الماضية، بسبب التنازلات التي قدمها وتناغمه المفرط مع منظومة الحكم، الأمر الذي تعارض مع رؤية الشارع الذي منح الحزب ثقته وأصواته.

في الأنظمة الديمقراطية، رئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية، التي تشرف على وضع خطط الدولة ومشاريعها وتعمل على تنفيذها. في المغرب الصورة مختلفة، فالحكومة هي مجرد أداة تنفيذية دون أي دور في وضع الرؤى والمشاريع أو تدخل في تحديد وجهة الدولة. فوظيفة الحكومة في المغرب تقتصر على استقبال رؤى وخطط منظومة الحكم وتعمل على تنفيذها والترويج لها دون أن يكون لها قدرة على تعديلها أو تغييرها، سواء كانت مقتنعة بها أم غير مقتنعة. هذا الواقع ساهم إلى حد كبير في تقليم أظافر الحزب الإسلامي الحاكم، ومنعه من القيام بأي دور تغييري، وساهم في خسارته الأخيرة.

محطات ثلاث أساسية اتخذ فيها حزب العدالة والتنمية مواقف منافية لمبادئه ولأفكار حاضنته الشعبية وكشفت عن تماهيه مع مشروع السلطة. الأولى هي سماحه بتمرير قانون "فرنسة التعليم" الذي سمح بتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بدلاً من العربية، رغم قدرة كتلة الحزب الإسلامي في البرلمان على منعه. المحطة الثانية كانت بعد انخراط قيادات في الحزب في معارك سياسية وإعلامية لتبرير مشروع تقنين زراعة مخدّر الكيف. أما المحطة الأخيرة فهي التي سمع بها العالم كله، فكانت بتوقيع رئيس الحكومة الذي هو في الوقت عينه رئيس العدالة والتنمية اتفاق التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وقد شكلت هذه الخطوة ضربة قاصمة لشعبية الحزب الذي طالما عارض التطبيع.

اليوم، وبعدما تآكلت شعبية حزب العدالة والتنمية، وبعدما هدأ حراك الشارع وعاد لسباته، لم تعد لمنظومة الحكم حاجة بالإسلاميين، فرسمت قانوناً انتخابياً ساهم في تحجيمهم وتراجعهم، وأوعزت لمؤسساتها وإداراتها بعرقلة الحملات الانتخابية لمرشحي حزب العدالة والتنمية والتضييق على مرشحيه، فكانت النتيجة تراجعاً في عدد المقاعد التي نالها في مجلس النواب من 125 عام 2016 إلى 13 مقعداً عام 2021، وليتراجع الحزب من المركز الأول إلى المركز الثامن.

ليس غريباً أن تستغلّ منظومة الحكم في المغرب الإٍسلاميين لتحقيق مصالحها، لكن مما لاشك فيه هو أن الإسلاميين لم يحسنوا الأداء بعد وصولهم للسلطة، فكانت النتيجة طبيعية في صناديق الاقتراع.

أوّاب إبراهيم