أواب إبراهيم

أكثر من شهرين مرّا على الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته على قطر كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. أكثر من ستين يوماً لم يكن يتخيّل أحد في دول الخليج أن يحصل ما حصل، وأن تضطر عوائل للانقسام والتشتّت، وأن يضطر طلاب للتوقف عن متابعة تحصيلهم العلمي وخروجهم من الأرض التي ولدوا ونشأوا فيها وتربوا ويتعلمون فيها، إلى الأرض التي يحملون جنسيتها.
تُكابر الدوحة على نفسها إن هي قالت إن الحصار الذي فرضته الدول الخليجية الثلاث لم يؤثر عليها. هي المكابرة نفسها التي تتظاهر بها الدول التي تحاصر قطر. فالتأثيرات السلبية التي أدت إليها الأزمة الخليجية طالت جوانب كثيرة، لكن الجانب الأكثر ألماً بالنسبة إلى شعوب الخليج هي التشتت والتمزق غير المسبوق في النسيج الاجتماعي الخليجي. فلطالما نشأ المواطن على ترداد أغنية «خليجنا واحد، شعبنا واحد»، ولطالما كان يسافر للعمل أو الدراسة في الدول الخليجية الأخرى كأنه يعمل في بلده، هذا عدا عن انتشار حالات الزواج والمصاهرة بين دول الخليج، وكذلك امتداد معظم القبائل لتشمل أكثر من بلد، فتجد قبيلة واحدة توزع أفخاذها وأفرعها في أكثر من دولة، فيكون السعودي ابن عم القطري، والإماراتي ولد عم العماني، والإماراتي صاهر البحريني.. اكتشف المواطن الخليجي بعد هذه الأزمة أن خليجنا لم يعد واحداً، بل بات ست دول وربما سيصبح أكثر، وشعبنا لم يعد واحداً بل صار شعوباً.
أسوأ ما في الحصار ليس افتقاد عصير المراعي السعودي من الأسواق، ولا البحث عن أدوات التنظيف الإماراتية، الأسوأ هو حجم الحقد والضغينة والكراهية التي صدرت من بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لمواطني بعض الدول تجاه قطر وشعبها وأميرها، لتصل حدوداً غير مسبوقة من البذاءة وقلة الحياء. 
حين تنتهي هذه الأزمة، ويعود الوئام بين أهل الخليج، وهي حتماً ستنتهي.. سيقولون إن ما حصل كان عبارة عن سحابة صيف مرّت في سماء الخليج ولن تعود مرة أخرى. سيحاولون خداع أنفسهم بذلك، لكنهم يتغاضون عن حقيقة أن سحابة الصيف هذه أمطرت قبل مغادرتها، أمطرت مياهاً سوداء مليئة بالأحقاد والنفور، وهي تسببت بجروح وخدوش لن يكون من السهل معالجتها.
شهران مرا على الحصار المفروض على قطر والأزمة تراوح مكانها. فلا الدول المحاصرة تبدي استعداداً للنقاش بما يحفظ ماء وجهها، ولا الدوحة تبدي استعداداً للاستجابة لمطالب بات واضحاً أنها تخفي وراءها أكثر مما تعلن. 
تطالب دول الحصار بأن تتوقف دولة قطر عن دعم الإرهاب وقطع علاقاتها مع إيران، وأن تتوقف وسائلها الإعلامية عن بثّ سمومها بين المشاهدين، وأن تستعيض عن ذلك برسم الابتسامة على وجوه الشعوب العربية (كما قال وزير خارجية الإمارات في مؤمر القاهرة)، ومطالب أخرى.. لكن المطلوب هو الانبطاح، المطلوب هو الخضوع لما يريدونه، المطلوب هو أن تهزّ قطر رأسها موافقة دون أن تعرف على ماذا وافقت. لا مشكلة لديهم بأن تبقى قطر دولة، لكنها يجب أن تكون تابعاً لهم ولرغباتهم ومصالحهم. يريدون من قطر أن تكون كدولة البحرين، يقولون لها قفي تقف، اجلسي تجلس. يريدون من قطر أن لاتناقش ولا تجادل ولا تبحث عن مصلحة شعبها. يريدون منها أن لاتفكر، فهم يفكرون عنها. لامشكلة لديهم فيمن يحكم، المهم أن يحكم الحاكم كما يريدون وبما يريدون. لا مشكلة لديهم في بقاء قناة الجزيرة واستمرارها، لكن المطلوب هو أن تتوقف عن فضح مؤامراتهم وزلاّتهم وأخطائهم، وأن تبدأ دورة برامجية جديدة فتوقف كل برامجها الجادة والاستقصائية وتستبدلها بآراب غوت تالنت، والرقص مع النجوم.
يريدون من قطر أن تعود إلى الحضن الخليجي. أيّ حضن هذا؟ فالأحضان في الخليج اختلفت وتنوعت. وحضن أمير الكويت يختلف عن حضن سلطان عمان، وحضن الأخير يتناقض في أماكن كثيرة مع حضن ملك السعودية وفتى الإمارات. فأي حضن من هذه على قطر أن تعود إليه؟ ومن قال أصلاً إنه لا يحق لقطر أن يكون لها حضنها الخاص أسوة بشقيقاتها الخليجية؟!>