أواب ابراهيم

رغم الغبار الذي تثيره نتائج الانتخابات البلدية والتنافس الجارية في لبنان، لكنها لم تنجح في حجب التساؤلات التي ما زالت تبحث عن أجوبة لها حول مقتل القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين. فللمرة الأولى في تاريخ الحزب تكون الرواية التي يقدمها للرأي العام غير مقنعة. عدم الاقتناع هذا لا يقتصر على المراقبين ووسائل الإعلام وخصوم الحزب، بل امتد إلى البيئة المحيطة بالحزب وربما صفوفه التنظيمية.
المعلومات التي قدمها حزب الله للعالم حول مقتل مصطفى بدر الدين تكاد تطابق المعلومات (من حيث الكم) التي قدمها حول مقتل عماد مغنيّة عام 2008. يومها، العالم كله سلّم بصدق الرواية ولم تُطرح أية أسئلة، لأن الرواية كانت منطقية ومقنعة سواء أكانت صحيحة أم لا. رغم أن الهالة الأسطورية التي كانت تحيط بشخصية عماد مغنية أكبر من تلك التي أحاطت بمصطفى بدر الدين. ورغم أن اغتيال مغنية وقع في قلب المنطقة الآمنة بدمشق في عز القبضة الحديدية السورية، فقد صدق العالم ما قدمه حزب الله حول الحادث. في المقابل، استهداف بدر الدين حصل في ظل اضطرابات تشهدها مختلف المناطق السورية، وانفلات أمني وعسكري كامل، رغم ذلك، غصّ الكثيرون برواية القصف المدفعي من «الجماعات التكفيرية» ولم يتمكنوا من بلعها.
في إطار القرائن التي قدمها السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله لمواجهة اتهام المحكمة الدولية الخاصة لحزبه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، استهجن نصر الله حصر الاتهام بالنظام السوري أو بحزب الله، وتساءل لماذا لا يكون الكيان الصهيوني ضمن لائحة الاتهام طالما أن نتائج الاغتيال جاءت في مصلحة الكيان. الاستهجان نفسه يحق للعالم أجمع أن يشعر به اليوم، إزاء رواية حصر اتهام الجماعات التكفيرية باستهداف بدر الدين، خاصة أن هذا الاتهام تم إطلاقه قبل مرور 24 ساعة على الحادث رغم الغموض الكبير الذي رافقه. ألم يخطر ببال عاقل أنه حتى على فرض التسليم بأن الاستهداف جاء نتيجة قصف مدفعي مصدره منطقة تقع تحت سيطرة أحد فصائل المعارضة، ألم يكن من المنطقي ترك الباب موارباً أمام إمكانية اختراق العدوّ الإسرائيلي أو غيره من أجهزة الاستخبارات الغربية لهذا الفصيل لتنفيذ هذه العملية؟ فالسيرة الذاتية لمصطفى بدر الدين، تقود إلى أن دولاً كثيرة ما زالت فواتيرها لم تسدد مع بدر الدين ولها مصلحة في استهدافه.
خطورة الرواية التي قدمها حزب الله حول مقتل مصطفى بدر الدين تتعلق بجانبين: الجانب الأول مردّه أن اتهام الحزب كان باتجاه «الجماعات التكفيرية»؟! دون أن يحدد اسماً محدداً للجهة التي توصلت إليها تحقيقاته على  أنها الجهة التي تقف وراء ما حصل. علماً أن أقرب منطقة من مكان الحادث يسيطر عليها جيش الإسلام، فلماذا امتنع حزب الله عن تسمية الفصيل الذي يتهمه، وفتح الباب أمام تسمية «الجماعات التكفيرية». ألا يكون بذلك يريد استغلال الحادث لمنح حربه الخاطئة في سوريا بعداً جديداً تحت عنوان الانتقام لمقتل بدر الدين على مختلف الأراضي السورية، وربما في بلاد أخرى تحت عنوان الجماعات التكفيرية؟ الخطورة الثانية، هي أن العالم كان حتى ما قبل الحادث يسلم بجميع الروايات التي يقدمها حزب الله ولايدقّق بصحتها، فالعالم كله صدق اغتيال عماد مغنية رغم أن أحداً لم يشاهد جثته ولم تجر السلطات المعنية أي فحص للجثمان أو حتى فحص للحمض النووي. والأمر نفسه حصل في جميع العمليات الأمنية الأخرى التي استهدفت كوادر الحزب، لكن عدم منطقية الرواية هذه المرة، جرّأت البعض لطرح فرضيات لم تكن تطرح في السابق، فماذا لو أن بدر الدين لم يقتل، وأن كل ما قيل هو لإبعاده عن اتهام المحكمة الدولية له بالمشاركة في اغتيال الرئيس الحريري؟ ماذا لو أن النظام السوري هو الذي يقف وراء ما حصل؟ ماذا لو أن تفجيراً داخلياً هو الذي أدى.. ماذا.. ماذا.. التشكيك لم يعد يقتصر على هذه الحادثة، بل امتد إلى جميع الروايات السابقة واللاحقة.
يفاخر الأمين العام لحزب الله دائماً بأن الاحتلال الإسرائيلي يصدق ما يقوله ويكذّب ما تقوله قيادة هذا الاحتلال، ما أخشاه هو أن يتغيّر هذا الواقع، ويصبح التشكيك بروايات الحزب ليس من الاحتلال فقط، بل من جمهور الحزب نفسه.