أواب ابراهيم

 حتى كتابة هذه السطور لم يكن قد صدر أي موقف أو تصريح -عليه القيمة- من المسؤولين حول جريمة القتل البشعة التي ارتكبها «معروف حميّة» بحق «حسين الحجيري» في البقاع انتقاماً لمقتل ابنه (محمد). هذا الصمت يأتي رغم التبعات الخطيرة التي قد تخلفها هذه الجريمة وما قد تؤديه إلى فتنة سنيّة شيعية أو فتنة عشائرية في المنطقة. حتى الأجهزة الأمنية صبّت اهتمامها على محاصرة تداعيات الجريمة واكتفت بمداهمة سينمائية لمنزل القاتل، كأنها كانت تتوقع أن يكون بانتظارها في منزله. في حين أن جرائم أقل أهمية بكثير تنجح الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على الفاعل خلال وقت قياسي. لكن عذراً.. الفاعل هذه المرة له حيثيّة خاصة، فهو ينتمي لعشيرة كبيرة، وربما يؤدي توقيفه لاقتحام ثكنات الأجهزة الأمنية أو الاعتداء على عناصرها، كما أنه مغطى سياسياً من حزب أقوى من الدولة، وبالتالي من غير المسموح الاقتراب منه قبل أن يسمح الحزب. علاوة على كل ذلك، فإن القاتل كان يهدف من ارتكاب جريمته الانتقام من الذين قتلوا ابنه. صحيح أن القتيل لاعلاقة له بالجريمة، وصحيح أيضاً أن أقرباء القتيل كذلك لاعلاقة لهم، لكن بما أن السيد حسن نصرالله اتهم من وصفهم «الجماعات التكفيرية» بقتل مصطفى بدر الدين، فقد بات بإمكان معروف حميّة وعشيرته أن يقتلوا من يشاؤون بداعي الانتقام لابنهم. القاتل لم يكتف بالإقرار بارتكاب جريمته، بل توعد بارتكاب المزيد من جرائم القتل، كل ذلك حصل في نقل تلفزيوني مباشر. وهذا يؤكد أن الأجهزة الأمنية هي التي لاتريد إلقاء القبض على الفاعل، لأن جهداً تقنياً بسيطاً كان كفيلاً بكشف المصدر الذي يتحدث منه القاتل، لكنها لم تفعل لأنها لا تريد أن تفعل.
نعود لأصل الحكاية، الشهيد المظلوم حسين الحجيري هو ابن شقيق مصطفى الحجيري (أبو طاقية) الذي كان له دور أساسي في نجاح عملية تبادل العسكريين بين الدولة اللبنانية وجبهة النصرة. ورغم التشويه الذي أحيط به فإن عدداً من المسؤولين توجهوا له بالشكر على الجهود التي بذلها لإتمام عملية التبادل. أضعف الإيمان، كان بإمكانه أن يشترط إلغاء مذكرات التوقيف الصادرة بحقه من القضاء لإتمام عملية التبادل، لكنه لم يفعل. الأمر الآخر، هو أنه لم يتوفر أي دليل أو قرينة أو حتى مجرد شائعة تفيد بعلاقة تربط بين  مصطفى الحجيري ومقتل ابن القاتل، بل إن الحجيري أكد مراراً أنه لاعلاقة له باختطاف عناصر الجيش اللبناني (وكان من بينهم ابن القاتل)، بل إنه لم يشاهدهم، لأن الخاطفين نقلوهم مباشرة إلى منطقة الجرود بخلاف عناصر قوى الأمن الداخلي الذين تم احتجازهم في عرسال.
لنتغاضَ عن كل ذلك، ولنفترض أن مصطفى الحجيري أقرّ فعلاً بأنه قتل محمد حميّة، ما علاقة ابن شقيقه الذي يبلغ من العمر 18 عاماً؟ ما ذنبه أن يتم إفراغ 36 رصاصة في جسده، وأن يتم رميه بالطريقة التي وجد عليها؟ تبعاً لأي منطق عشائري أو ديني أو أخلاقي أو إنساني أو قانوني يحصل ذلك؟ ولماذا خرست الألسن على هذه الجريمة البشعة، ولماذا لم نسمع استنكاراً من الذين صمّوا آذاننا صبح مساء بسرد الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية؟ ما هو موقف الجهة التي ينتمي إليها القاتل ويفاخر بتأييده لها ويفدي حياته كرامة سيدها؟ أليس المجرم معروف حمية من الذين وصفهم «السيد» بأنهم  أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس؟!.
بعض من أعمى الله أبصارهم يبرّرون الجريمة البشعة، ويقولون إن الوالد مكلوم بمقتل ولده ويريد الثأر له، وإن الثأر أعمى، وإن... هل ينطبق المنطق نفسه إذا أقدم والد القتيل حسين الحجيري على الثأر لابنه وقتل أحد أبناء آل حمية مرة أخرى؟
أي غابة تلك التي نعيش على أرضها، أي دين يتبع هؤلاء، أي أخلاق تسمح لهم بارتكاب ما يرتكبون ويفاخرون بجرائمهم، أي منطق عشائري مجنون هو الذي يبرر لهم القتل بهذه الطريقة الظالمة والبشعة؟!
هل تتساءلون بعد كل هذا الظلم لماذا يلتحق البعض بتنظيم داعش؟!.