العدد 1448 /10-2-2021

مرّ قطوع مدينة طرابلس بسلام رغم انكشاف أياد خفية كانت تحركه. أعمال شغب و"زعرنة" عاثت في بعض أحياء المدينة فساداً. صار مبنى البلدية الأثري والمحكمة الشرعية هدفاً للزعران يجب إحراقهما. وكالعادة الأجهزة الأمنية التي تنجح بمعرفة الحديث الذي دار بينك وبين زوجتك في غرفة النوم، لم تنجح في معرفة الجهة التي وقفت ودعمت وغطّت مئات الشبان الذين ظهروا على شاشات التلفزة بالصوت والصورة. وكما تحرك الشبان في طرابلس فجأة بذريعة الشكوى من الأوضاع المعيشية اختفوا فجأة. لكن يبدو أن الغاية من أعمال شغبهم تحققت، والرسائل التي أراد من يقف وراءهم توصيلها وصلت.

اغتيل الناشط السياسي المعروف بخصومته لحزب الله لقمان سليم في بلدة جنوبية بست طلقات وتُرك بسيارته. حضرت الأجهزة الأمنية بكامل عتادها وعدتها وأجرت تحقيقاتها الدقيقة لكنها لم تكشف طرف خيط يمكن البدء منه لمعرفة هوية الجناة. قبل أيام عُثر على جثة مواطن داخل سيارته في منطقة الأوزاعي مصاباً بعدة طلقات نارية. أيضاً حضرت القوى الأمنية وباشرت تحقيقاتها. قبل ثلاثة أسابيع عثر على جثة المواطن جو بجاني مقتولاً بسيارته أمام منزله في منطقة الكحالة. الجناة ظهروا على كاميرات مراقبة وهم يرتكبون جريمتهم. حضرت الأجهزة الأمنية وباشرت تحقيقاتها وإلى الآن لا نتيجة.

ستة أشهر مرت على انفجار مرفأ بيروت. انفجار هزّ العاصمة وخلّف مئتي شهيد وآلاف الجرحى ودمّر جزءاً من واجهة بيروت البحرية. الكارثة حصلت جراء انفجار كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في المرفأ منذ سبع سنوات. التحقيقات لم تعجز فقط عن معرفة الجهة التي تقف خلف التفجير، بل عن معرفة كيفية وصول هذه المواد إلى لبنان، ومن المسؤول عن تخزينها في مرفأ بيروت كل هذه السنوات. وحين تجرأ قاضي التحقيق فاستدعى عدد من المسؤولين للاستماع لإفاداتهم رفضوا المثول أمامه وأخذ الاستدعاء بُعداً كيدياً وطابعاً طائفياً فاعتكف القاضي بذريعة فيروس كورونا وأوقف تحقيقاته.

العجز عن معرفة الحقيقة والإخفاق في ضبط الجناة والمقصرين لايرتبط فقط بالاغتيالات والتفجيرات والقضايا الأمنية. فمنذ أشهر ترفع السلطة لواء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، لمعرفة الأسباب التي أدت للانهيار النقدي الذي يعاني منه اللبنانيون، ولكشف أي عملية تحويل أموال حصلت خلال السنوات الماضية لتهريبها إلى الخارج. منذ ذلك الحين لم يسمع اللبنانيون بأي نتيجة عن هذا التدقيق، بعد غرق المشروع في البازار السياسي، ومزايدة المسؤولين بأن التدقيق في حسابات مصرف لبنان لايكفي بل يجب التدقيق في حسابات جميع الوزارات والمؤسسات العامة. فسقط التدقيق، وسقطت معه محاولة معرفة من قام بنهب أموال اللبنانيين.

كثيرة هي الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، وهي في ازدياد وتتمدد. سياسية وأمنية واقتصادية ونقدية وصحية. لكن جميع هذه الأزمات كان يمكن العمل على ضبطها ومحاصرتها ومنع تمددها لو كانت تتم متابعتها بشكل جدي، وفضح ومحاسبة المسؤولين عنها. يفهم اللبنانيون أن تعجز السلطة عن كشف جريمة أو حادثة أو قضية بعينها، لكنهم لايفهمون أن تعجز عن كشف جميع الجرائم وتخفق في ملاحقة كل القضايا التي يتم تكليفها بها. خاصة أن هذا العجز يتحوّل لحرفية وإتقان تجاه قضايا ذات طابع مختلف.

قبل سنوات، وبالتزامن مع مساندة حزب الله للنظام السوري، تعرضت بعض المناطق اللبنانية لاسيما التي تشكل حاضنة لحزب الله كالضاحية الجنوبية لسلسلة من التفجيرات والعمليات الإرهابية. الأجهزة الأمنية حينها حققت نجاحات مميزة ونوعية في كشف الخلايا الإرهابية النائمة منها والمستيقظة، وألقت القبض على المحرضين والمنفذين والممولين. قدّمت الأجهزة الأمنية يومها أداء محترفاً ومتقناً كانت نتيجته الحؤول دون وقوع المزيد من الأعمال الإرهابية. فهل الأجهزة الأمنية التي نجحت في هذه القضايا الإرهابية المعقدة هي نفسها التي تفشل في القضايا الأخرى الأكثر سهولة، أم أن الفشل والنجاح لايرتبط بقدرة الأجهزة الأمنية، بل بقرار يُتخذ مسبقاً يحدد مسار التحقيقات ونتيجتها؟!.

أوّاب إبراهيم