العدد 1431 / 7-10-2020

مع اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 شعر فريق من اللبنانيين بأنهم معنيون بمساندة ودعم وتقديم العون للشعب السوري الذي يواجه نظاماً يدرك حلفاؤه كما خصومه أنه نظام ظالم مجرم. فتحرّكت حميّة بعض اللبنانيين ونظّموا حملات لجمع المساعدات للشعب السوري، واستقبلوا عشرات آلاف النازحين الهاربين من ظلم النظام. وبلغت الحميّة بالبعض للتوجّه -سراً- إلى سوريا والالتحاق بقوى المعارضة، فهم يدركون أن ما بين الشعبيْن اللبناني والسوري علاقات متجذّرة في الدين والعروبة والإنسانية والتاريخ والجغرافيا.

في مقابل التعاطف مع الشعب السوري، أصابت البعض لوثة الحياد والوطنية واللامبالاة تجاه ما يجري في سوريا، ورفعوا لواء عدم التدخل لأن لبنان "يلّلي فيه بيكفّيه". وتطوّرت هذه اللامبالاة ليصل أثرها إلى السلطة في لبنان تضييقاً على النازحين السوريين ومعاملتهم بعنصرية بغيضة واتهامهم بالتسبب بكل أزمات لبنان، وتمّ التعامل مع اللبنانيين الذين ذهبوا للقتال إلى جانب الشعب السوري كإرهابيين وتمّ زجّهم في السجون.

هذه النظرة السلبية الرسمية والشعبية للثورة السورية طالت شريحة بعينها، لكنها انقلبت إلى عكسها مع شريحة أخرى أكبر وأكثر اتّساعاً، فشارك فريق من اللبنانيين على رؤوس الأشهاد -ومازالوا- إلى جانب النظام السوري في قتل شعبه ومساندته لاسترجاع ما كانت حققته قوى المعارضة. قوى السلطة كما الأصوات التي ضيّقت على الفريق الأول بدعوى التزام الحياد، هي نفسها التزمت الصمت ولم يصدر عنها كلمة منددة واحدة، بل إن مسؤولين في السلطة برروا لهؤلاء تدخّلهم ومساندتهم للنظام في مواجهة شعبه، ولم يتذكروا الحياد الذي كانوا ينادون به ويفخر هذا الفريق بقتاله إلى جانب النظام، ربما ليس قناعة بما يقوم به هؤلاء، بل عجزاً عن مواجهتهم وضعفاً منهم.

اليوم تشهد منطقة القوقاز صراعاً بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ الواقع في الأراضي الأذربيجانية، الذي احتلته قوى موالية لأرمينيا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 وأعلنته إقليماً تابعاً لها لم يعترف به أحد. الأرمن في لبنان أعلنوا صراحة وعلى رأس السطح تضامنهم ودعمهم وتأييدهم لأرمينيا في مواجهة أذربيجان، ووصل حجم التعاطف توجّه عدد من الشبان اللبنانيين إلى أرمينيا للقتال في مواجهة أذربيجان، وهم يتفاخرون بذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلقون التصفيق والتهليل من مسؤولين في السلطة، وتدعمهم في ذلك أوساط سياسية وحزبية وإعلامية هي نفسها كانت في السابق تنادي بالحياد وتطالب بعدم تدخل لبنان بأزمات لا علاقة له بها. يطالبون فريقاً من اللبنانيين التزام الحياد، وأن يبقوا مكتوفي الأيدي فلا يتحركون لنصرة ومساعدة ومساندة من يشاركونهم الدين واللغة والتاريخ والجغرافية. عليهم أن يتحوّلوا إلى كائنات عديمة الإحساس فلا تتفاعل مع القضايا الأخلاقية والإنسانية المحقة، ومن يتجرّأ ويُبدي أي شكل من أشكال التضامن والتعاون يتم تخوينه ويتحوّل لإرهابي فيضيّق عليه ويزجّ بالسجن. أما الآخرين، فلا بأس بأن يتدخلوا أينما أرادوا، سواء كانت قضايا محقّة أو باطلة، ولا بأس أن يتفاخروا بتدخلهم بشؤون لاعلاقة للبنان بها، ولا بأس بأن يساندوا أنظمة فاجرة ظالمة على قتل شعبها، كل ذلك لايضير بالحياد الذي يرفعون لواءه طالما أن ذلك ينسجم مع توجهاتهم.

شكلت أزمة ناغورني كاراباخ والتضامن الذي عبّر عنه البعض مع فريق في مواجهة آخر شكل مناسبة جديدة لفضح نفاق بعض اللبنانيين الذين يريدون حياداً يناسبهم، ويستغلّون هذا الشعار لحرمان فريق آخر من التضامن مع القضايا المحقة التي تعنيه، أما حين تكون هناك قضايا تناسب تدخلهم وانخراطهم ولو كان إلى جانب الفريق المعتدي فلا يعود لكلمة "الحياد" محل من الإعراب، بل تصبح ممنوعة من الصرف.

أوّاب إبراهيم