أواب إبراهيم

لم تكد تنتهي حركة حماس من إجراء انتخاباتها الداخلية حتى بدأت تيمّم وجهها قِبل المصالحة الفلسطينية، في مسعى حثيث لإنهاء الانقسام ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة. وفي سبيل تأكيد هذا التوجه، أقدمت الحركة على تقديم تنازلات غير مسبوقة، كان أبرزها حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزة والترحيب بقدوم حكومة السلطة من رام الله لتسلم زمام أمور القطاع. إلى جانب التنازل، اتّسم خطاب قيادات حماس بتصميم لا سقف له في سبيل تحقيق المصالحة، وعلى حد تعبير قائد حماس (إسماعيل هنيّة) فإن الحركة تريد تحقيق المصالحة «بأي ثمن». جاء ذلك في مقابلة صحفية أجراها هنيّة مع إعلامية مصرية طالما كانت تكيل الشتائم والاتهامات لحركة حماس. ووصل الإصرار الحمساوي حد تهديد قائد الحركة في غزة (يحيى السنوار) بأنه سيقوم «بكسر عنق كل من لا يريد المصالحة»، سواء كان من أبناء حماس أو من غيرها(!!).
الواضح هو أن التوجه نحو المصالحة وإنهاء الانقسام قرار اتُّخذ ويريد أصحابه السير به حتى النهاية. لكن الواضح كذلك هو أن اتخذ هذا القرار لم يتكبد عناء تهيئة ساحته وجماهيره ومناصريه، بدليل أنه شكل مفاجأة لكثيرين. وبدل استدراك ما حصل والعمل الدؤوب لإقناع الشارع بهذا الخيار، أصدرت القيادة تعميماً داخلياً حذرت بموجبه انتقاد مساعي المصالحة في وسائل التواصل الاجتماعي تحت طائلة المحاكمة الداخلية. اللافت هو أن الطرف الآخر المعني بالمصالحة لا تبدو عليه الحماسة والإصرار الذي تبديه حماس. فمواقف المسؤولين في السلطة الفلسطينية وحركة فتح تحرص في كل مناسبة على التصريح والتلميح بأن التقدم الحاصل في ملف المصالحة يعود إلى رضوخ حماس لشروطهم. ووصلت الوقاحة برئيس السلطة حد المفاخرة بأن التضييق المالي الذي فرضه على غزة هو الذي دفع حماس للتنازل. وبما أننا نتحدث عن عباس، فإنه كرّر في أكثر من مناسبة أنه لن يكون في غزة إلا سلطة واحدة وسلاح واحد هو سلاح حكومة الوفاق. هنا نتساءل: هل هذا يعني أن حركة حماس مستعدة لتسليم سلاحها وحلّ كتائب القسام، بما أنها مستعدة لتقديم «أي ثمن»؟!
قناعة قيادة حماس بأهمية المصالحة والسعي لتحقيقها جعلها تتجاوز شكليات ليس من الحكمة تجاوزها. فسمة التواضع التي يتحلى بها قادة الحركة قد تُفهم من الآخرين على غير محملها. فلماذا يكون قائد حركة حماس في غزة والضفة والخارج هو من يستقبل رئيس الحكومة رامي الحمدالله عند وصوله إلى غزة، ويجلس إلى جانبه في اجتماع الفصائل الفلسطينية؟! إسماعيل هنيّة هو رئيس المكتب السياسي لأكبر حركة مقاومة شعبية، ومن يناظره هو رئيس السلطة فقط. بل إننا إذا رجعنا لأرقام آخر انتخابات تشريعية شهدتها الأراضي الفلسطينية فإن حماس التي يقودها هنيّة حازت ثلثي أصوات الشعب الفلسطيني، وهي شكلت أكبر كتلة في المجلس التشريعي، وهي بالتالي الأوسع تمثيلاً للفلسطينيين من أي حركة أو سلطة أخرى. وعليه فإن تمثيل هنيّة للشعب الفلسطيني أوسع من تمثيل محمود عباس نفسه، فكيف برامي الحمدالله الذي عيّنه عباس.
أمر آخر لا بدّ من الإشارة إليه، هو الودّ المستجد بين حماس ومصر. فمن المعروف أن مصر مارست حصاراً على قطاع غزة زاد قسوة على حصار «إسرائيل». فهي دمرت الأنفاق التي كانت تشكل رئة القطاع، وأغلقت معبر رفح، وهي تعتقل أفراداً من حماس. رغم كل ذلك تحرص حماس على عدم قطع العلاقة مع النظام المصري الذي يرعى المصالحة الفلسطينية.
أنا هنا لا أتحدث من زاوية أن هذا النظام قتل المئات من الإسلاميين ويعتقل الآلاف ويحاكم العشرات بتهمة التخابر مع حركة حماس (الإرهابية في القاموس المصري)،  فلا يتم تقديم شيكات على بياض، كأن تُرفع صورة عبد الفتاح السيسي في شوارع غزة، أو يتم الترحيب والتهليل بإعلاميي النظام الذين طالما جاهروا بعدائهم لحماس. 
قد تكون التنازلات التي قدمتها حماس للوصول إلى المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي هي الخيار السليم والأصلح للشعب الفلسطيني، لكن في العمل السياسي والشعبي لا يكفي أن يكون الخيار صحيحاً، المهم أن تقتنع القاعدة بهذه الخيارات، فتساندك وتؤيدك وتمشي إلى جانبك.>