العدد 1403 / 4-3-2020

على بعد قرابة 400 كلم عن الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل حزب الله، توجه مقاتلو الحزب لمواجهة الجيش التركي في منطقة إدلب المتاخمة للحدود السورية التركية. في هذه المنطقة لايوجد مدنيون لبنانيون يمكن للحزب ان يقول أنه ذهب لحمايتهم، كما أنه لا يوجد مقام السيدة زينب ولا عتبات مقدسة للطائفة الشيعية الكريمة حتى يرفع الحزب شعار "لن تُسبى زينب مرتين" مبرراً لوجوده كما فعل في دمشق، كما أن مواجهة التنظيمات الإرهابية ومنعها من الوصول إلى لبنان ذريعة تخالف المنطق. فالمنطقة التي تدور فيها المواجهات تبعد مئات الكيلومترات عن الحدود اللبنانية، والمناطق التي تفصل لبنان عنها تخضع لسيطرة النظام والميليشيات المتحالفة معه. علاوة على كل ما سبق، فإن التنظيمات التي يواجهها حزب الله في تلك المنطقة إضافة للجيش التركي بمعظمها تنظيمات سورية مدعومة من تركيا مع بعض الجيوب البسيطة لهيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة.

كل هذه المقدمة للانطلاق من حقيقة بديهية لا تحتاج لكثير تفصيل، هي أن قتال حزب الله للجيش التركي في إدلب لا علاقة له لا بلبنان ولا باللبنانيين، وهو يرتبط فقط بمساندة النظام السوري ضمن الدعم الذي تقدمه إيران لهذا النظام، وأن حزب الله يقاتل إلى جانب مليشيات طائفية أخرى جاءت من أفغانستان (لواء فاطميون)، وباكستان (لواء زينبيون) وأماكن أخرى، يجمعها أنها تنتمي للطائفة الشيعية الكريمة وتأتمر بأوامر إيران.

منذ بداية تدخل حزب الله في سوريا ودخول الجيش التركي إلى إدلب لم يسبق أن حصلت مواجهة مباشرة بين الطرفين، في ظل اتفاق خفض التصعيد الذي كرّس وضعاً عسكرياً خاصاً للمنطقة. لكن في الأسابيع الماضية، خرق النظام والميليشيات المتحالفة معه الاتفاق وبدأوا حملة عسكرية دفعت الجانب التركي للتحرك ومواجهة التمدد المستجد، وكان طبيعياً أن يحين أوان المواجهة المباشرة بين الجيش التركي وحزب الله. في الأيام الماضية استهدف الجيش التركي بطائراته المسيّرة مواقع للحزب أدت لمقتل عدد من مقاتليه. في لبنان كما دائماً سادت في جهور الحزب حملة تعاطف جياشة لاستقبال النعوش التي جاءت من وراء الحدود، وبدأ تمجيد "الشهداء العظام الذين سقطوا وهم يدافعون عن شرف الأمة وكرامتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية في طريقهم لتحرير فلسطين". لكن ما غاب عن الحزب أن روايته هذه المرة غير مقنعة لمعظم اللبنانيين.

فجميع اللبنانيين وقفوا مع الحزب وساندوه وتمنّوا له النصر حين واجه "إسرائيل" على الحدود الجنوبية. بعض اللبنانيين وقفوا معه وساندوه حين واجه التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، رغم أن الحزب سبق هذه المواجهة بالتورط في الأزمة السورية. رغم ذلك كانت حربه مقنعة لبعض اللبنانيين. لكن اليوم، ما هي ذريعة حزب الله ليبرر تورطه في مواجهة عسكرية مع الجيش التركي في منطقة حدودية تبعد مئات الكيلو مترات عن لبنان، فقط ليساند نظاماً جائرا؟! هل على المواطن اللبناني أن يتعاطف مع الحزب في هذه الحرب العبثية التي ورّط فيها شباباً لبنانيين، في الوقت الذي يربض العدو الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية؟!

إذا أراد بعض اللبنانيين التعاطف مع حزب الله لاعتبارات طائفية وسياسية متعلقة بهم فهذا شأنهم، لكن على الحزب أن يدرك بأن قسماً مقدراً من اللبنانيين لايتعاطفون معه، ولا يعتبرون قتلاه الذين يسقطون في هذه الحرب شهداء، بل يتعاطفون مع الجيش التركي الذي يواجه نظاماً فاسداً مجرماً قتل واعتقل وشرد شعبه، وهو تعاطف لايخجل به أصحابه بل يعلنونه "على راس السطح".

أداء حزب الله المقاوم يستحق الاحترام والتقدير والدعم والنصرة حين يدافع عن لبنان في مواجهة عدوّ غاشم، أما حين يصبح هذه الأداء مستخدما لخدمة محاور إقليمية ومسانداً لأنظمة قمعية، فلا احترام ولا تقدير ولا نصرة.

أوّاب إبراهيم