العدد 1352 / 6-3-2019
أواب إبراهيم

بعد أيام من استلام جميل جبق وزارة الصحة، وفي أول جولة له على المستشفيات الحكومية، كانت وجهته إلى مستشفى عكار الحكومي، فجال في أجنحتها وأعلن رفع سقفها المالي. زيارة الوزير لقيت الترحيب والتصفيق والتهليل من أبناء عكار، رغم أن المنطقة تعد خزاناً انتخابياً لتيار المستقبل. زيارة الوزير لعكار أعطت انطباعاً أنه وزير كل اللبنانيين، ولو أنه استهل جولاته بزيارة مستشفى النبطية أو الهرمل لقيل إنه لايهتم إلا بحزبه وجماعته وبيئته.

فور تسلّم وزيرة الداخلية ريا الحسن مهامها، أوّل ما فعلته كان الإيعاز بإزالة البلوكات الإسمنتيّة من أمام مقر وزارة الداخلية. خطوة الوزيرة علاوة على احتفاء اللبنانيين بها، شكلت مثالاً وقدوة حسنة سار على نهجها العديد من السياسيين والأحزاب، الذين بادروا لرفع البلوكات الاسمنتية من أمام مراكزهم ومنازلهم. في حين أنه لو كانت الوزيرة طلبت من الآخرين رفع البلوكات الإسمنتية في الوقت الذي تنتشر البلوكات حول وزارة الداخلية لما استجاب لها أحد ولتم التشكيك بمصداقيتها.

لذلك، كان من الطبيعي أن يلاقي استهلال النائب عن حزب الله حسن فضل الله الحملة التي يرفع رايتها بمكافحة الفساد استهداف رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة كل هذا الاستياء والامتعاض والتشكيك. فلو أن فضل الله ومن ورائه حزب الله أراد إثبات مصداقيته وصفاء نواياه باستهداف ملفات فساد، لبدأ بملفات تتعلق ببيئته وحلفائه، ولكانت أي خطوة أخرى يقوم بها سواء تجاه السنيورة أو غيره تعتبر طبيعية ومنطقية ومحط قبول من جميع اللبنانيين. لكن أن يتجاوز حزب الله عن كل ملفات الفساد والهدر والنهب التي تعشعش في مؤسسات الدولة ويعود إلى ملف عمره أكثر من عشر سنوات خلت، يدرك جميع اللبنانيين ملابساته وخلفياته وأسبابه، مستهدفاً شخصية كانت على مدى سنوات –ومازالت- الخصم السياسي الأبرز والأشرس للحزب، فهذا يستدعي التشكيك والريبة والانتقاد والاستياء.

يدرك حزب الله جيداً أن لبنان بلد طائفي، ويدرك كذلك أنه مهما بلغ مدى صواريخه الدقيقة فإن خطوطاً حمراً ليس بإمكانه ولا بإمكان أحد تجاوزها. أبرز هذه الخطوط هي الحساسية بين الطوائف. فليس لأحد أن يمس رمزاً من رموز طائفة أخرى إلا بعد رفع الغطاء عنه من جانب طائفته، سواء كانت التهمة الموجهة إليه صحيحة أو ملفقة. فكيف والحال باستهداف الحزب حقبة سياسية شهدت انقساماً عمودياً بين اللبنانيين، وكان الحزب حينها يقود إحدى ضفافها ومن يوجه إليه الاتهام بالفساد هو من قاد الضفة الأخرى ، ألا يستدعي ذلك التشكيك؟؟!,

استهلال حزب الله باستهداف فؤاد السنيورة بذريعة مكافحة الفساد، إما أنها دعسة ناقصة من حزب الله عليه تداركها إذا كان يريد الحفاظ على مصداقية ما يقول، وإما أن حملة مكافحة الفساد التي أعلنها الغاية منها أساساً هي استهداف فؤاد السنيورة لتصفية حساب قديم معه. هذا الاستدراك يكون بتراجع حزب الله إلى الوراء، وأن يبدأ بنبش ملفات الفساد التي تعشعش في بيئته ومن حوله ولدى حلفائه الذين يدرك جميع اللبنانيين ملفات الفساد التي تتعلق بهم.

الأمر الآخر الذي على حزب الله عدم التغافل عنه، هو أن الفساد الذي ينخر الدولة ومؤسساتها ليس فساداً مالياً فقط، فالتدخل في عمل القضاء فساد، والتدخل في عمل الأجهزة الأمنية فساد، وتوفير الغطاء والحماية لشخصيات مطلوبة للقضاء فساد، والامتناع عن تسليم متهمين بجرائم قتل فساد، والانتقاص من هيبة الدولة فساد، وعرقلة الاستحقاقات الدستورية فساد. كل هذه الأمور تشكل فساداً لايقل عن الفساد المالي الذي يرفع حزب الله لواء مكافحته، والعديد منها تمس الحزب أو الدائرين في فلكه .

أوّاب إبراهيم