العدد 1558 /12-4-2023

عشرات الصواريخ انطلقت من سهول في لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. تسببت الصواريخ بجرح ثلاثة مستوطنين إسرائيليين وحالة رعب متبادلة. على الجانب الإسرائيلي وأيضاً على الجانب اللبناني.

منذ اللحظات الأولى لإطلاق الصواريخ كان واضحاً أن حزب الله لم يكن معنياً بها، أو على الأقل أرد أن يوحي بذلك، وأن يدرك العالم كله أنه غير مسؤول عنها. فالصواريخ بدائية الصنع، وهي انطلقت بشكل عشوائي، وأصابت أهدافاً عشوائية. وكانت نتيجة ذلك أن معظم الصواريخ التي نجحت بتخطي القبة الحديدية الإسرائيلية سقطت في مناطق زراعية أو في شوارع خالية. هذا لايعني أن حزب الله بعيد عن الصورة، فبدائية الصواريخ وعشوائية الأهداف يمكن للحزب التخطيط له بحرفية، للإيحاء للعالم بأن لا علاقة له بما حصل. في المحصلة، فهم الكيان الإسرائيلي الرسالة، وحيّد الحزب عمّا جرى، ووجّه أصابع الاتهام إلى "تنظيمات فلسطينية"، وتحديداً حركة حماس "فرع لبنان"، وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها إطلاق هذه التسمية.

إزاء ما حصل نكون أمام فرضيات ثلاث: الأولى تقول كما أسلفنا أن حزب الله هو من قام بتنفيذ عملية إطلاق الصواريخ لكنه لم يرد الظهور في الصورة. والثانية تقول أن حزب الله فعلاً لا علاقة له بإطلاق الصواريخ، لكنه قام بـ "قبّة باط"، فغضّ النظر عما جرى، وأفسح المجال لمن قام بإطلاق الصواريخ دون اعتراض منه. وإمّا أن حزب الله لم يكن فعلاً يدرك بعملية إطلاق الصواريخ، وأن تنفيذ العملية تمّ بعيداً عن أعين رجاله وكاميراته المنتشرين في المناطق الحدودية، وطبعاً بعيداً عن أعين الجيش اللبناني ومعه قوات اليونيفيل.

ما يجدر التوقف عنده هو أن يكون الاتهام الإسرائيلي لحركة حماس "فرع لبنان" بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ صحيحاً. فإذا صحّ هذا الاتهام، فإننا نكون أمام منعطف مفصلي وخطير لحركة حماس في الصراع مع "إسرائيل". فالحركة لطالما كررت في أدبياتها وبياناتها وتصريحات قيادييها، أن معركتها مع "العدو الإسرائيلي" مسرحها أرض فلسطين. كما أنها تكرر دائماً حرصها على أمن واستقرار الدول العربية، وأنها لا تتدخل بشؤون أيّ من هذه الدول، وأنها لاتريد الإساءة لأي دولة، وأنّ همّها فقط هو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فإذا صحّ قيام حماس بإطلاق الصواريخ تكون الحركة انقلبت على أدبياتها وبياناتها ومواقفها وتاريخهاب. فإطلاق الصواريخ من أرض لبنانية، ليس إساءة لبلد عربي "شقيق" وانتهاك لسيادته، بل هو قبل ذلك توريط لهذا البلد في معركة لايريدها، وسلب لقرار السلم والحرب المنوط بسلطته السياسية. صحيح أن الدولة اللبنانية مهترئة، وسلطته متهالكة، واقتصاده منهار، ومؤسساته مفككة، لكن هذا الواقع لايجب أن يسمح لا لحماس ولا لغيرها باستخدام لبنان منصة لتوجيه رسائل أو تهديدات للاحتلال الإسرائيلي. وإلا تكون حماس بذلك حذت حذو منظمة التحرير التي أرادت قبل عقود تحرير فلسطين من لبنان، فتركت القضية الفلسطينية، وانغمست بصراعات محلية، وغرقت بوحول السياسة اللبنانية، وتحوّل همّ الراحل ياسر عرفات من مواجهة "إسرائيل" إلى مواجهة النظام السوري في لبنان.

الأخطر من سيناريو مواجهة حماس للعدو الإسرائيلي انطلاقاً من الأراضي اللبنانية رداً على جرائمه باغتيال المقاومين في الضفة الغربية، أو اعتداءات مستوطنيه على المسجد الأقصى، أو قصفه المتكرر لقطاع غزة، أن يكون إطلاق الصواريخ يندرج في إطار الرد على مقتل أحد قادة الحرس الثوري، أو الرد الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا. وهذا يعني أن إطلاق الصواريخ لم يكن بهدف تحقيق مصلحة فلسطينية، بل ضمن رد "محور الممانعة" الذي تقوده إيران على الضربات الموجعة التي دأبت "إسرائيل" على توجيهها لهذا المحور على الأراضي السورية. إذا صحّ ذلك، تكون حركة حماس قد أضاعت بوصلتها، وفقدت ميزتها الأهم.. وهي استقلال قرارها.

أوّاب إبراهيم