العدد 1413 / 13-5-2020

"اللبنانيون ليسوا قطيع غنمولا قطعة أرض تنتقلملكيتهامن شخص إلى آخر".. موقف اطلقه وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق على خلفية اعتقال السلطات السعودية للرئيس سعد الحريري وبدء الحديث عن استبداله بشقيقه بهاء ليتابع مشواره السياسي. ربما هي من المرات النادرة التي يقول فيها المشنوق كلاما صادماﹰ.
اليوم عادت من جديد نغمة دخول بهاء الحريري اللعبة اللبنانية. هذه المرة لم يقتصر الأمر على اخبار واشاعات، بل بناء على بيان رسمي صدر عن "المكتب الاعلامي لبهاء رفيق الحريري" تضمن البيان شعارات وافكاراﹰ غير قابلة للتطبيق، لكن المفيد بالبيان هو خطوة رسمية باتجاه الدخول الى الملعب السياسي.
كما دائما، اي تحرك يعكر ركود الطبقة السياسية -خاصة اذا كان مدفوعا من الخارج- يجد له من يطبل ويزمر ويروج ويصفق، خاصة من الذين يعتاشون على المال الخارجي، فكان مفهوما التهليل لخطوة بهاء وتشجيعه على ما قام، خاصة اولئك الذين لم يجدوا لهم مكانا حول الطاولة ويتسكعون على ضفاف الشوارع واحيانا على شاشات التلفزة.
بعيدا عن العناوين السياسية الفضفاضة العابرة للطوائف والنظرية التي رفعها بهاء الحريري في بيانه وترددت على لسان بعض من يروجون له، فالمعلوم أن الصحن الذي سيأكل منه بهاء هو الصحن نفسه المخصص لشقيقه سعد. فبهاء لن يؤثر على حزب الله ولا على حركة أمل ولا على الأحزاب المسيحية، فقط سعد الحريري هو من سيتأثر بوجود شقيقه، وهذا يعود لثلاثة عوامل: الاول هو تركيبة البلد الطائفية، بحيث ان كل زعيم "مكوش" على طائفته، وكل أبناء طائفة لا يعترفون بزعيم إلا ان كان منهم. اما العامل الثاني فهو أن هبوط بهاء "بالباراشوت" جاء في أسوأ ظرف يمر به سعد الحريري منذ وصوله للسلطة وريثا للشهيد رفيق الحريري. فسعد الحريري خارج السلطة، يعمل خصومه على "قصقصة" نفوذه في ادارات الدولة، يعاني من أزمة مالية انعكست تآكلا غير مسبوق في شعبيته، عدا عن ادائه الفاشل والأخطاء المتراكمة التي ارتكبها على مدى السنوات الماضية والتي عبدت الطريق امام تغول خصومه. اما العامل الثاني فهو اصرار سعد الحريري على احتكار تمثيل الطائفة السنية واستعداده لقلب الطاولة اذا اراد خصومه كسر هذا الاحتكار، رغم التراجع الكبيرفي نسبة تمثيله لطائفته. هذا الاحتكار جعل اي طرف يريد خوض العمل السياسي في الطائفة السنية يأكل من صحن سعد الحريري الذي لا يترك لقمة لغيره.. وهو اليوم سيدفع ضريبة هذه الهيمنة من كيسه.

كل ما سبق غير مهم "وفخار يكسر بعضو"، سواء نجح سعد الحريري في إقصاء أخيه، أو أن بهاء نجح في احتلال مكان له على الحلبة السياسية.. المهم هو إدراك اللبنانيين السنة منهم تحديدا انهم ليسوا قطيع غنم يساقون كيفما اراد هذا الزعيم او ذاك الوريث او ذلك المليونير. الوضع الاقتصادي خانق، والأزمة الاجتماعية تسحق الكثيرين، لكن المأمول هو أن يعي اللبنانيون ان الذين يتفضلون عليهم بفتات اموالهم لشراء ذممهم ولاستغلالهم لمناكفة خصومهم سيعودون لاسترجاع اضعاف ما تفضلوا به من اموال بسرقاتهم ونهبهم وفسادهم. المأمول من المسلمون السنة في لبنان ان يدركوا بأنهم يستحقون زعامات حقيقية تعمل كما تعمل الزعامات الطائفية الاخرى لرعاية ابنائها وتحصيل حقوقهم ورعايتهم وحمايتهم وعدم الاستئثار بمكتسبات الطائفة لأنقسهم ولمن حولهم. على السنة في لبنان ان يعوا بأن البعض ينظر إليهم ارقاما لا يتذكرونها الا في المواسم الانتخابية، ثم يعودون لنسيانهم بعد انتهاء الانتخابات. عليهم ان يقولوا لهؤلاء ان اداءهم مرفوض ومستنكر ومهين، وكما هو مرفوض الاستمرار في احتكار تمثيل الطائفة.


اواب ابراهيم