العدد 1456 /7-4-2021

منذ سنوات علَت بين اللبنانيين أصوات طالبت بنبذ الطائفية، والانتماء للوطن، والنقمة على الطبقة السياسية على اختلاف انتماءاتها وطوائفها. وقد شكل الحراك الشعبي الذي بلغ ذروته في تظاهرات 17 تشرين الأول 2019 مناسبة كي تبرز هذه الأصوات بشكل أكبر، خاصة بعد الانهيار الاقتصادي والنقدي والاجتماعي الذي شمل جميع اللبنانيين، وانكشاف فساد الطبقة السياسية، وتسبّبه في الأزمات الكثيرة التي عاشوها، وبات شعار "كلّن يعني كلّن" رمزاً للثورة وعنواناً لإجماع اللبنانيين على رفض الانتماء للحزب والزعيم والطائفة والتضامن فيما بينهم في مواجهة فساد السلطة.

كان من المتوقع أن تنعكس الثورة العارمة التي عمّت الشارع على الشعب اللبناني، وأن يصبح شعار "كلّن يعني كلّن" نهجاً ومساراً يسيرون عليه بعدها، لكن الذي حصل بعد ذلك هو خفوت شعارات الشارع، وعودة كثير ممن رفعوا شعار "كلّن يعني كلّن" إلى قوقعاتهم الطائفية، يدافعون عن الزعيم والحزب والطائفة. بالتوازي استمر فريق من اللبنانيين بالتنظير على بقية الشعب بوطنيتهم وإنسانيتهم، ويعتبرون من يتمسك بهذا الرداء رجعي متخلف، ومن غير المتوقع أن يطرأ الكثير من التغييرات في المستقبل في ظل نجاح السلطة بتخويف اللبنانيين من بعضهم وتكريس الطائفة مرجعاً يحميهم. هذا الفريق يسخر ممن يحرص على حقوق طائفته ويستنكر الإساءة لرموزها، ويعتبر أن قناعاته الوطنية السامية باتت في مستوى أرقى وأسمى من مستوى بقية اللبنانيين الذين ما زالوا يدافعون عن حقوق طوائفهم ويرفضون الإساءة لها. مشكلة هؤلاء اعتقادهم أنهم يعيشون في لالالاند لا في لبنان.

فلبنان وحتى إشعار آخر ما زالت بنيته السياسية التحتية المكوّنة له هي الطائفية، وفوقها يقوم الكيان والدستور والمؤسسات والسلطات والدولة. وتجاهل هذه الحقيقة يُعتبر طرحاً تقدمياً لكنه لا يمتّ للواقع بصلة. هذا لا يعني أن هذا الواقع سيستمر، لكن التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها، كما أنه حتى يكون ناجعاً يجب أن يشمل جميع اللبنانيين لا أن يقتصر على فريق منهم، خلع رداء الطائفية والحزبية في الوقت الذي يستمر آخرون في الاستئثار بحقوق طوائفهم وأحزابهم وزعمائهم ويسعون لقضم حقوق الآخرين الذين يفرّطون بهذه الحقوق. وحتى ذلك الحين محكوم على اللبنانيين أن يعملوا ضمن المنظومة الطائفية، ومن يستمر بإنكار هذا الواقع يكون بريئاً لدرجة تصل حدّ السذاجة.

فالطرح الوطني البعيد عن الطائفية والمذهبية الرافض لكل فاسد مفيد بل ومطلوب، لكن نجاحه وفعاليته تكون حين يشمل لبنانيين من طوائف متعددة ولو كانوا أقلية، أما إذا اقتصر على مواطنين من طائفة بعينها، حينها لا يؤدي الأمر لتنامي الحس الوطني بقدر ما يساهم في إحداث خلل في البنية التي قام عليها الكيان اللبناني. فحتى هذه اللحظة مازالت طائفة رئيس الجمهورية ترفض المساس به وإسقاطه في الشارع، كذلك الأمر بالنسبة لطائفة رئيس مجلس النواب، وهو ما يجب أن يكون عليه حال طائفة رئيس الوزراء، ومن المتعذر تخطّي هذه الطائفية البغيضة طالما أن معظم اللبنانيين مازالوا يؤمنون بها ويتمسكون بها.

في لبنان -وحتى إشعار آخر- كل أبناء طائفة معنيون بمن يمثلهم في التركيبة السياسية، ينتخبونهم ويدافعون عنهم، ويرفضون الإساءة إليهم، وحتى يتغيّر هذا الحال، محكوم على الذين ارتفع لديهم الحسّ الوطني وانخفض لديهم الحسّ الطائفي والمذهبي وينظّرون على بقية اللبنانيين بوطنيتهم وإنسانيتهم وسموّ أفكارهم أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وأن ينتظروا حتى يزيد عدد من يشاطرونهم وطنيتهم ويتحوّلوا إلى أغلبية تعينهم على فرض أفكارهم على بقية اللبنانيين، حتى ذلك الحين أمامهم خياران، إما الصبر والانتظار وإما الهجرة.

أوّاب إبراهيم