العدد 1441 / 16-12-2020

لأنها لم تقم بحجب صحفي إسرائيلي عن صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي تحوّلت كيندا الخطيب من ناشطة إعلامية إلى عميلة صهيونية. هي خلاصة الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية بحق الناشطة كيندا الخطيب. تواصل معها صحفي إسرائيلي، فأبلغت القوى الأمنية ثلاث مرات بما يحصل معها رغم أنها غير مضطرة لذلك، وأعطتهم إمكانية الولوج لحساباتها وقراءة الرسائل التي تصلها، فلم تجد اهتماماً، فاتصلت بالضابط المسؤول الإعلامي بقوى الأمن الداخلي وأخبرته بما يحصل معها، فلم يهتم ولم يتابع ولم يراجعها، إلى أن تم توقيفها قبل ومحاكمتها بتهمة التواصل مع العدو الإسرائيلي ويتم الحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات، ويتصدر هاشتاغ "كيندا الخطيب عميلة" وسائل التواصل الاجتماعي.

ثلاث سنوات ستقضيها كيندا الخطيب التي تبلغ 24 عاماً في السجن، ذنبها أن الأجهزة الأمنية لم تهتم بما أخبرتهم به، ولم يتواصلوا معها. ما هو أفظع من السنوات الثلاث التي ستقضيها كيندا في السجن ظلماً هي تهمة العمالة التي وصمتها بها المحكمة ومعها وسائل الإعلام.

إذا أقدم أي ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي على شتم رئيس أو زعيم أو مسؤول تسارع الأجهزة الأمنية لاستدعائه للتحقيق. أما كيندا الخطيب فأبلغت القوى الأمنية ثلاث مرات عن تواصل صحفي إسرائيلي معها، لكن الأجهزة الأمنية لم تجد الأمر مهماً ولم يتصل بها أحد، إلى أن قاموا بسوقها لتجد نفسها مغلولة في السجن بتهمة التواصل مع العدو الإسرائيلي.

قبل سنوات، اكتشف حزب الله بين صفوفه عملاء يعملون لصالح إسرائيل. لم يعرف أحد هوية هؤلاء العملاء حرصاً على كرامة عوائلهم، وتمّت محاكمتهم ومعاقبتهم دون أن يعرف أحد من هم. هكذا كان التعامل مع أفراد كانوا يعملون في حزب الله انفضحت عمالتهم للعدو الإسرائيلي. لكن التعامل مع كيندا الخطيب كان مختلفاً. فبعد ساعات من توقيفها ضجّت وسائل الإعلام بالتهم الموجهة إليها، وتمّ تسريب ونشر محاضر التحقيق معها، ونسج قصص حول عمالتها و"تبخيرها" والمبالغة فيها ووصفها بالعميلة، علماً أنه كما أسلفنا فإن تهمتها -ان صحت- هي التواصل وليس العمالة، لكن بما أن كيندا لا سند لها يحميها ويدافع عنها ويحرص على كرامتها وكرامة عائلتها، تمّ التشهير بها، والإساءة لها ولعائلتها، فلا كرامة في لبنان لمن لا ظهر له حتى وان كان مظلوماً.

المحكمة نفسها التي أدانت كيندا الخطيب لأنها لم تقم بحجب صحفي إسرائيلي، سبق لها قبل أشهر أن برّأت عامر الفاخوري الذي كان يعمل ضابطاً في جيش العملاء، وكان مسؤولاً عن تعذيب السجناء في معتقل الخيام وتسبّب بقتل بعضهم، وهو عاش بعدها سنوات طويلة في دولة الاحتلال. السيرة الذاتية هذه لم تقنع المحكمة العسكرية لإدانته فحكمت ببراءته، وخرج من لبنان معزّزاً مكرّماً. ابنة الفاخوري كانت كشفت في مقابلة تلفزيونية قبل أسابيع أن والدها التقى في وقت سابق رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. مرّ الخبر عادياً على اللبنانيين، ولم يكبّد القضاء والأجهزة الأمنية التي جرّت كيندا الخطيب من قريتها في عكار إلى السجن لم تكبد نفسها عناء توجيه سؤال -مجرد سؤال- لرئيس الجمهورية وصهره حول صحة ما قالته ابنة العميل فاخوري. فالتواصل مع عميل إسرائيلي وتعبيد طريق عودته إلى لبنان مباح ويتمّ غضّ الطرف عنه، أما ما قامت به كيندا الخطيب فجريمة تستحق العقاب والتشهير.

كيندا الخطيب ليس معصومة، فهي أخطأت، وأخطاؤها كثيرة. أخطأت لأنها وثقت بالأجهزة الأمنية فأخبرتهم بتواصل الصحفي الإسرائيلي معها، مما أعطاهم ذريعة لاتهامها ومحاكمتها. أخطأت لأنها لا تنتمي لحزب أو تيار يحميها ويدافع عنها ويضع من حولها خطاً أحمر كما تفعل جميع الأحزاب والتيارات مع جماعتها. أخطأت لأنها كانت ترفع الصوت رافضة لسياسة حزب الله، وعلى الأرجح أن هذا الصوت هو التهمة الحقيقية التي تُحاكم بسببها ويتم الإساءة إليها.

أوّاب إبراهيم