أواب إبراهيم

خلص يا شباب « افرطوها» وما بقا حدا يجبلنا سيرة الموضوع، هون حفرنا وهون طمرنا. هي خلاصة سوقيّة لنتيجة التحقيق «الشفاف» الذي أجراه القضاء العسكري حول ملابسات وفاة أربعة موقوفين سوريين مكثوا في التوقيف أقل من 24 ساعة. وشاءت الصدف أن نتيجة التحقيق الذي أجراه ثلاثة أطباء شرعيين جاءت متطابقة مع الرواية التي قدمها بيان الجيش اللبناني، دون تعديل أو إضافة.
التحقيق النزيه والشفاف تمّ تحت إشراف القضاء العسكري التابع للجيش اللبناني، وقضاة هذا القضاء هم ضباط ربما يكونون من الدفعة العسكرية نفسها التي تخرج منها الضباط الذين شاركوا في المداهمات والتوقيفات في مخيمات النازحين، وهو أمر لايستقيم مع العقل والمنطق والعدالة. فمن المعروف أن على القاضي التنحي إذا تبيّن أن له علاقة –ولو هامشية- بالمتقاضين أو بموضوع القضية، فكيف تشرف إحدى مؤسسات الجيش على تحقيق يفترض أن يكون موضوع التحقيق هم ضباط وأفراد منه، ألا يطعن ذلك في نزاهة ما سيصدر عنه؟!
ما علينا، سنسلّم بحسن الظن، ونفترض أن التحقيق كان بالفعل نزيهاً وشفافاً ومستقلاً، ولندقق قليلاً في مضمون ما توصلت إليه اللجنة الطبية. حسب ما أوردته الوكالة الوطنية الرسمية التقرير الذي تسلّمه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، توصل إلى أن سبب وفاة الموقوفين الأربعة ليست ناتجة عن أعمال عنف بل عن مشاكل صحية مختلفة لكلّ منهم. المفترض في التقارير الطبية النزيهة والشفافة أن تكشف ما توصلت إليه، لا أن تنفي أمراً لم تتوصل إليه. فما هو معنى أن تنفي اللجنة الطبيّة حصول التعذيب في الوقت الذي يفترض أن تكشف السبب لا أن تنشغل في نفي سبب يفترض أنه لاعلاقة له بالوفاة. المستغرب هو أن تقرير اللجنة الطبية توصل إلى الخلاصة بناء على عيّنات من جثث المتوفين الأربعة، فكيف تبيّن للجنة أنه لاعلاقة للتعذيب بالوفاة طالما أنهم لم يعاينوا الجثث؟! 
سنسلّم مرة أخرى بحسن الظن، ونفترض مرة أخرى نزاهة وشفافية التحقيق لنسأل: لماذا اشترطت مخابرات الجيش على ذوي المتوفين دفن الجثث بسرعة وسرية بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام شرطاً لتسليمهم الجثامين؟ لماذا صادرت مخابرات الجيش عينات من الجثث التي حاولت إحدى المحاميات أخذها من المستشفى لفحصها؟ لماذا تجاهلت اللجنة الطبية صور المتوفين الأربعة قبيل دفنهم، التي تظهر عليها بوضوح آثار التعذيب؟!
مرة جديدة، إياكم وإساءة الظن، ولندقق في تقرير اللجنة الطبية التي احتفت به وسائل الإعلام، ليكون صك براءة وإسكاتاً لكل الألسن التي سوّلت لها نفسها الأمّارة بالسوء لتشكيك بالجيش وإجراءاته. يفصّل تقرير اللجنة المشاكل الصحية للموقوفين المتوفين، فيقول إن أحد الموقوفين أصيب بعارض مفاجئ في القلب، وآخر تبيّن أنه توفي نتيجة جيوب هوائية، والثالث توفي نتيجة التهاب رئوي، أما الرابع فتوفي نتيجة صدمة حرارية، «كما تبيّن أيضاً أنه يتعاطى مادة مخدرة». لن نعلّق على الموقوف الذي تعرض لعارض مفاجئ في القلب، فربما اختار رب العباد أجله في اليوم الذي اعتقله الجيش اللبناني، ولن ندقّق في الأسباب التي أدت لإصابة الموقوف الثاني بالجيوب الهوائية، أو الثالث الذي أصيب بالتهاب رئوي، رغم أن الجميع يدرك أن الإصابة بهذه الأمراض ليست مسبّبة للوفاة، لا سيما إذا تلقى المريض العناية المطلوبة التي من الواضح أنه لم يحصل عيها. لكن ماذا نفهم من أن وفاة الموقوف الرابع سببها تعرضه لصدمة حرارية. ألا يتحمل الجيش مسؤولية الإصابة بسبب إرغام مئات الموقوفين على الانبطاح لساعات طويلة على الأرض تحت أشعة شمس لاهبة؟ ألم يكن طبيعياً إصابة عشرات الموقوفين بصدمات حرارية حادة نتيجة ذلك؟! ثم لماذا حرصت اللجنة الطبية في تقريرها على ذكر أن المتوفى كان يتعاطى مادة مخدرة. هل لهذه المادة علاقة بسبب الوفاة الذي يفترض أن وظيفة اللجنة اكتشافه، أم أن الغاية هي تشويه صورة المتوفى، والإيحاء بأن من مات هو متعاط للمخدرات؟!
على من طالب بالتحقيق الاعتذار من الجيش، وعليه أن يتجاهل شهادات عشرات الموقوفين الذين أكدوا تعرّضهم للتعذيب، وعليه أن ينسى آثار التعذيب التي كانت واضحة على الجثث. سبب الوفاة هو مشاكل صحيّة.. ونقطة على السطر.>