بقلم: أواب إبراهيم

قطعت قنوات التلفزة المحلية والعربية وبعض العالمية برامجها المعتادة، وانتقلت في بث مباشر من الضفة الغربية، لنقل وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقدته الأسيرة المحررة «عهد التميمي» بعد ثمانية أشهر قضتها في سجون الاحتلال بتهمة صفع جنديين إسرائيليين.
منذ توقيفها احتلت عهد التميمي صدارة الأخبار في وسائل الإعلام، وعلى مدى أشهر من توقيفها تابع العالم جميع جلسات محاكمتها وصولاً إلى الإفراج عنها قبل أيام. كما شكل اسمها «تراند» في وسائل التواصل الاجتماعي، واستبدل كثيرون صور صفحاتهم الشخصية بصورة عهد.
في سجون الاحتلال قرابة عشرة آلاف أسير، بينهم مئات الأسيرات، وعشرات الأطفال، لكن أياً من هؤلاء الأسرى لم يحظَ بما حظيت به عهد التميمي من اهتمام وأضواء، ولم يستقبل أياً منهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كما فعل مع عهد التميمي، الأمر الذي يطرح علامات تساؤل حول خلفيات ودوافع هذا الاهتمام.
فإذا كان سبب الاهتمام يتعلق بكون عهد طفلة (17 عاماً)، فمن يتابع قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية لا بدّ أن يكون سمع بالطفلة ديما الواوي (12عاماً) التي قضت في السجن أشهراً، لتخرج بعدها صفراء هزيلة شبه فاقدة للحياة، ترتمي في أحضان والدتها باكية خائفة، بخلاف السمنة والنضارة والنشاط الذي خرجت به عهد التميمي، والتي سارعت بعد خروجها للارتماء في أحضان وسائل الإعلام.
وإذا كان الاهتمام بعهد التميمي مرتبطاً بالصور الجميلة التي رافقت مسيرتها النضالية التي وثقتها وسائل الإعلام، فمن المؤكد أن هذه الصور لن تنافس صورة الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر وهي تحتضن طفلها قبل أيام تودعه قبل أن يعتقلها جنود الاحتلال. فصورة عناق لمى خاطر وطفلها تدمع القلوب والعيون، لكنها لم تجد من يهتم بها، الأمر الذي يطرح مزيداً من الأسئلة عن خلفيات الاهتمام بعهد التميمي دون غيرها. 
أما إذا كان مرد الاهتمام يعود إلى أن الظرف الحالي للقضية الفلسطينية، والحديث عن صفقة القرن هو العامل الذي دفع وسائل الإعلام للاهتمام بقضية عهد التميمي، فاللافت أنه في اليوم نفسه الذي خرجت فيه عهد من سجن شارون، ومن السجن نفسه خرجت أسيرة محررة أخرى اسمها ياسمين أبو سرور التي لم تجد بانتظارها خارج السجن سوى والديها لتعانقهما.
عهد التميمي ابنة السبعة عشر عاماً، ذات ملامح أوروبية، بيضاء البشرة، خصلات شعرها الأشقر الأجعد ينسدل على كتفيها، عيناها زرقاوان، كلها أوصاف أعطت النضال الفلسطيني صورة جديدة غير معتادة، وكانت دافعاً لتسليط الأضواء الكاشفة عليها، خاصة من جانب محور الاعتدال، الذي وجد بعهد التميمي ضالته، فحوّل حركاتها وسكناتها وهمساتها و«تسبيلة» عينيها لتكون عنواناً للمقاومة والنضال الفلسطيني. هذا الاهتمام بنضال عهد التميمي لم ينحصر بتوقيفها والإفراج عنها من سجون الاحتلال، بل امتد لمناحي حياتها الأخرى التي لاعلاقة لها بالنضال، فاحتلت صورتها وهي تلعق «البوظة» مبتسمة للكاميرا صفحات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
الشكل الخارجي لعهد التميمي، وبالطبع عدم ارتدائها الحجاب في مجتمع محافظ، إضافة إلى عدم انتمائها ووالديها إلى المقاومة الإسلامية.. كل ذلك شكل هديّة للمستائين من السَّمت الإسلامي للمقاومة الفلسطينية. فتم تعليب قضية عهد التميمي وتجهيزها لتكون «أيقونة» جديدة للمقاومة، علّها تزيح من الأذهان الصورة السائدة الملتزمة للمقاومة التي تقودها حركتا حماس والجهاد الإسلامي. وكرّس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هذا الواقع باستقباله لها وكيلِه المديح لها ووصفها بأنها تشكل نموذجاً للنضال الفلسطيني، الذي وثقته وسائل الإعلام حين وجهت عهد التميمي إشارات نابية بإصبعها لجنود الاحتلال (!!).