أواب إبراهيم

في إطار التغطية الإعلامية لانتشال رفات العسكريين اللبنانيين الذين خطفهم تنظيم داعش قبل ثلاث سنوات، حاور أحد المراسلين والد أحد العسكريين، الذي قال بأنه يرفض الصفقة التي حصلت لترحيل داعش، وأنه.. توقف المتحدث لحظات، بلع ريقه، غصّت دمعته في عينه، وقال إنه كان ينتظر اليوم الذي يمسك فيه أبو مالك التلي ويشرب من دمه وينتزع قلبه من صدره، انتقاماً لمقتل ابنه. لنتجاوز عن أن التلّي هو مسؤول جبهة النصرة ولا علاقة له بداعش، لم تصدر عن المراسل الصحفي الذي يحاور الوالد أية ردة فعل مستنكرة ولا مستغربة، فالفاجعة التي ألمّت بالوالد تبيح له قول ما يشاء وفعل ما يشاء.
لا يؤاخذ المكلوم فيما يفعل، والمظلوم المغلوب على أمره يمكن أن يُدفع للقيام بأعمال غير مقتنع بها، لكنها سبيله الوحيد لرفع الظلم أو الانتقام لمن يحب أو حتى الدفاع عن نفسه. إذا أردنا قياس هذه الأفعال تبعاً للمنطق والقانون، فإنها مرفوضة. لكن إذا ما قورنت بالظلم الذي يتعرض له المظلوم، حينها قد تبدو مفهومة مع استمرار عدم القبول بها.
العالم كله استهجن واستنكر ورفض وندّد بإقدام تنظيم داعش على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي كان ينفذ غارات جوية في سوريا. يُحكى أن التنظيم قبل أن يقوم بإحراق الكساسبة جال به على عدد من المناطق التي تعرّضت للتدمير والحرق جراء الغارات الجوية التي نفذها طيران التحالف الدولي ومنه الطيران الأردني، وذهبوا به أيضاً إلى إحدى المقابر وعرضوا أمامه قبور الأطفال والنساء والمدنيين الذين سقطوا جراء هذه الغارات التي كان الكساسبة يشارك في تنفيذها. ولأن الجزاء من جنس العمل، فإن المنطق الداعشي قرر أن يلقى الكساسبة الألم الذي سبق له أن تسبب به للمدنيّين، فكان مصيره الموت حرقاً، في جريمة مرفوضة اقشعرّت منها الأبدان، بعدما عرضها داعش بتصوير سينمائي مرعب.
الأمين العام لحزب الله دأب في المراحل الأولى من تدخل حزبه في سوريا، على أن يستند في الذرائع التي قدمها لتبرير التدخل في الأزمة السورية مقطعاً مصوراً لمعارض سوري يتظاهر بأنه يأكل أحشاء أحد قتلى جنود النظام. قامت الدنيا ولم تقعد، وباتت مقولة آكلي الأحشاء لازمة رافقت الخطاب الإعلامي لحزب الله فترة من الزمن، وحاول الحزب إقناعنا بأن الهدف من مشاركته في سوريا هو حماية اللبنانيين من آكلي لحوم البشر، علماً أن العارفين بالشأن السوري يؤكدون بأن الشخص الذي ظهر في التسجيل المصوّر رفع أحشاء القتيل ولم يأكل شيئاً، والأهم هو أن زوجته وأبناءه الثلاثة قُتلوا قبلها بأيام في غارة جوية نفذها النظام السوري على منزله.  
اليوم، تتعرض أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار لحملة إبادة غير مسبوقة، تفوّقت في دمويّتها على إجرام الأنظمة العربية. مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي يعجز المشاهد عن متابعتها، لهول وبشاعة وإجرام ما تكشف عنه. تقطيع أجساد لأحياء، أشخاص يتم رميهم في النيران، ضرب بالعصي حتى الموت، دفن الأحياء تحت التراب.. من شاهد هذه المقاطع المصوّرة أمام خيارين: إما أن يطمس رأسه في الرمال ويتظاهر بأنه لم يشاهد ولم يسمع ويريح رأسه من وجع الدماغ، وإما أن تتسلل مشاهد الظلم والقتل إلى قلبه فتوغر في نفسه، ويستيقظ الشيطان الداعشي في عقله لإقناعه بأن الحملة على المسلمين لن تتوقف حتى التخلص منهم، وأن العالم لايحرك ساكناً مستمتعاً بما يحصل للمسلمين، وأن الظلم يملأ الأرض، وأنه لامناص من مواجهة هذا الظلم إلا بظلم مثله، ومواجهة هذا الإجرام لايمكن إلا بإجرام مقابل.. ولايمضي وقت طويل قبل أن يتحوّل هذا الشخص إلى مرشح جاهز للانضمام إلى تنظيم داعش، ومستعد لتفجير نفسه بحافلة ركاب تحمل مدنيّين في بلدة أوروبية هادئة، انتقاماً للظلم الذي يتعرض له المسلمون في ميانمار.
مواجهة داعش لا تكون بتنفيذ غارات جوية على مراكزها، ولا قتالها، بل بمحاولة وقف الظلم والإجرام ومحاسبة المجرمين على جرائمهم. وإلا فإن داعش ومن يستفيد من داعش ومن زرع الفكر الإرهابي في داعش، سيجد بسهولة بيئة خصبة ينمو فيها ويزهر جرائم وتفجيرات وعمليات انتحارية.>