أواب إبراهيم

أثارت الرسالة التي بعث بها رئيسا جمهورية وثلاثة رؤساء حكومات سابقين إلى الملك الأردني رئيس القمة العربية المنعقدة على ضفاف البحر الميت، أثارت موجة من الاستياء والاستهجان في الأوساط السياسية المقربة من حزب الله. وحين نقول الأوساط القريبة من الحزب فإن ذلك يشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي والقوى والأحزاب الحليفة، والملفت أن الاستياء وصل إلى رئيس الحكومة الذي ركب الموجة وانتقد الرسالة في دردشة مع الصحفيين في الطائرة التي أقلتهم إلى الأردن. المستاؤون لم يتمكنوا من انتقاد مضمون الرسالة، لذلك تجنبوا الإشارة إلى ما ورد فيها، واكتفوا بالعزف على وتر أن إرسال الرؤساء السابقين لرسالتهم فيه إساءة لصورة لبنان وضرب للتوافق بين اللبنانيين، وينتقص من هيبة رئيس الجمهورية والإجماع الداخلي حول الكلمة التي سيلقيها في القمة.
بعيداً عن الأسباب التي دفعت الرؤساء السابقين لكتابة رسالتهم، وما إذا كان ذلك تم انطلاقاً من قناعة مشتركة أو أن جهة أو جهات هي التي طلبت أو تمنّت أو أوحت بفعل ذلك، فإن ذلك لاينكر أحقيّة القضايا التي تطرقت إليها الرسالة، وإبراز عدد من القضايا الأساسية التي تشكل مادة خلافية بين اللبنانيين.
من حيث الشكل، وبعيداً عن المبررات التي قدمها الموقعون على الرسالة، ومحاولتهم تزيينها، فإن ما حصل يشكل سابقة سلبية، وهو يعكس صورة لخلاف لبناني داخلي إلى الأشقاء العرب. فهل من المصلحة تصدير هذا الخلاف للخارج، أم أنه كان من الأفضل لو بقيت خلافاتنا الداخلية «أهلية بمحلية»؟. وهل إعلام الدول العربية بوجود خلافات بين اللبنانيين حول قضايا أساسية مردوده سلبي أم إيجابي؟ 
قبل الإجابة على السؤال يجدر بنا الرجوع إلى الوراء قليلاً، واسترجاع المواقف التي عبر عنها رئيس الجمهورية باسم اللبنانيين في محطات سابقة. ولعلّ أبرز هذه المواقف قوله إن الحاجة لسلاح حزب الله ضرورة بسبب ضعف الجيش اللبناني وعدم قدرته منفرداً على مواجهة المخاطر المحدقة بلبنان، سواء من جانب العدو الإسرائيلي أو من جانب الجماعات الإرهابية. رئيس الجمهورية هو رئيس جميع اللبنانيين، والمواقف التي تصدر عنه يفترض أنها تمثل جميع اللبنانيين، فهل هذا الموقف يمثل الجميع؟ أليس موضوع سلاح حزب الله قضية خلافية أساسية بين اللبنانيين؟! هل مشاركة أحد الأحزاب اللبنانية للنظام السوري بآلاف المقاتلين الذين يعبرون الحدود بين البلدين على مرأى ومسمع الجميع دون من يتجرأ ويرفع الصوت هو وضع طبيعي يشكل إجماعاً بين اللبنانيين؟! هل إطلاق زعيم لبناني حليف لرئيس الجمهورية تهديدات لزعماء عرب هو وضع طبيعي يجب السكوت عليه؟ ألا يحق للبنانيين أن يصرخوا ويقولوا إنهم غير راضين عما يحصل، ألا يحق لهم التعبير عن رفض المواقف التي تصدر عن رئيس الجمهورية لأنها لاتمثلهم؟!. 
قالوا إن الرسالة تسيء لصورة رئيس الجمهورية وتعرقل مساعيه لوصل ما انقطع من علاقة مع الدول العربية، هل فقط الرسالة هي التي تعرقل مساعي الرئيس؟ ماذا عن التدخل في شؤون الدول العربية والسعي لإخلال الأمن فيها ودعم المعارضين لأنظمتها، ألا يشكل ذلك عرقلة لجهود الرئيس؟ يقولون إنهم غيارى على هيبة السلطة، هل أبقوا هيبة لسلطة حين يحملون السلاح على عين السلطة التي تقف عاجزة ولاتملك حتى الانتقاد؟ هل يكون للسلطة هيبة حين يعلن رئيس السلطة أن جيشه ضعيف ولا يستطيع مواجهة الأخطار المحيطة به؟
يريدون أن يقدموا للعرب صورة مزيفة بأن اللبنانيين موحّدين ويلتفون حول دولتهم، لكن هذا الواقع مغاير للحقيقة. فالخلاف لايتعلق بقضايا هامشية سطحية، بل هي قضايا أساسية تتعلق بسيادة الدولة وسلطتها وهيبتها. يمكن أن نفهم أن رئيس الجمهورية مكبّل بتحالفاته وأوراق التفاهم التي وقعها مع الآخرين، لكن هذا لايمنحه العذر كي يفرض على بقية اللبنانيين ما ألزم نفسه به.
رسالة الرؤساء السابقين صرخة لا تمثل أصحابها فقط، بل تمثل شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين يرفضون الوضع الشاذ القائم، وهم غير معنيين بالتسوية السياسية التي أنتجت العهد الجديد. ربما هم غير قادرين على تغيير هذا الوضع بسبب موازين القوى، لكن أقلّه أن يصرخوا ويعلنوا رفضهم لما هو حاصل.