العدد 1395 / 15-1-2020

قرابة شهر مرّ على تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة. شهر كان كافياً لتدرك القوى التي اختارته أنها ارتكبت خطأ كبيراً وحشرت نفسها في الزاوية. وانتقلت هذه القوى من مواجهة الثورة الشعبية التي تطالب برحيل السلطة، إلى المشاركة في حراكها سواء من خلال مشاركة مؤيديها مباشرة في التظاهرات وقطع الطرقات والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، أو من خلال كفّ يد الأجهزة الأمنية عن القيام بواجبها بالتشدد بفتح الطرقات وملاحقة المعتدين ومثيري الشغب.

السلطة التي اعتقدت أن دياب سيكون دمية بيدها تلعب بها كيفما تشاء، فتفرض عليه شروطها وتلزمه بما تريد، فوجئت بعناد لم تكن تضعه بحسبانها، وأدركت أن تسرعها باختيار دياب نكاية بسعد الحريري أوقعها بمأزق أكبر من المأزق الذي أوقعته استقالة الحريري. هم اعتقدوا أن إدخال دياب لنادي رؤساء الحكومات رغماً عن أنف الطائفة التي يمثلها موقع رئاسة الحكومة سيكون كفيلاً بجعل دياب ينفّذ ولا يعترض، لكن الأداء الذي قدمه دياب خلال الأسابيع الماضية كشف أنه لم يكن كما أُريد له.

لم يحسبوا خطواتهم، أعماهم الانتقام من سعد الحريري والمسارعة لتلقينه درساً، بعدما قلب طاولة التسوية عليهم بتقديم استقالة الحكومة دون التنسيق معهم، لكن هذه المسارعة حشرتهم بين فكيّ كماشة. فهم من جهة مقيّدون بتكليف حسان دياب الذي لايستجيب –كما يبدو- لما يريدون، ومن جهة أخرى مضطرون لإعادة سعد الحريري إلى المنصة الحكومية ولو من باب تصريف الأعمال، الأمر الذي ينكث الأيمان المعظّمة التي حلفها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي بعدم عودة الحريري إلى الواجهة مرة أخرى.

الذين اختاروا حسان دياب لتشكيل الحكومة دون نيله غطاء من الطائفة التي يمثلها يضربون اليوم أخماساً بأسداس بعدما أوقعوا أنفسهم في مأزق لايعرفون الخروج منه. فلا هم نجحوا بتشكيل الحكومة وإبعاد شبح سعد الحريري عنهم، ولا هم تجاوزوا السخط الشعبي من فرض شخصية قد تكون محترمة ومستقلة لكنها لا تحوز القبول في الطائفة التي يمثلها. فبعدما كانت السلطة تبحث قبل شهر عن سبل تسويق تكليف حسان دياب داخلياً وخارجياً، تنشغل اليوم في البحث عن كيفية سحب التكليف منه أو دفعه للاعتذار، الأمر الذي تكرر مصادر دياب أنه ليس في وارده. لكن وكما كل شيء في لبنان، فإن بطانة القصر الجمهوري من المستشارين تسرّب لوسائل الإعلام هرطقة قانونية مفادها أن تكليف دياب لم يحصل بمرسوم بل ببيان، وبالتالي فان من الممكن سحب هذا التكليف وعزل دياب. هذه الخطوة في حال أقدمت عليها الرئاسة فإنها تشكل حلقة جديدة في مسلسل المخالفات الدستورية التي ترتكبها، وإساءة بحق موقع رئاسة الحكومة والطائفة التي تمثلها.

اليوم، أمام السلطة خيارات أحلاها مرّ. فإما ان تستجيب لرغبة الرئيس المكلف بتشكيل حكومة اختصاصيين بعيداً عن السياسيين، وتترك له تشكيل فريق عمله، فيقدم حكومته لمجلس النواب لينال الثقة، وإما أن تعمد السلطة إلى تهميش وإهمال الرئيس المكلف وعدم الاهتمام بتشكيل الحكومة، بالتوازي مع إعادة إحياء حكومة تصريف الأعمال. وهو الخيار الذي تطهوه السلطة حالياً على نار هادئة، خاصة أنه يحقق لها جملة أهداف. فهو قد يدفع حسان للاعتذار وبالتالي التخلص منه دون اللجوء لخيارات مخالفة للقانون تزيد زلاّت الرئاسة، ويتم اختيار شخصية أخرى تكون أكثر طواعية لتشكيل الحكومة. وربما قد يؤدي للضغط على دياب وإخضاعه لشروط السلطة فتتشكل الحكومة كما تريد لا كما يريدهو. أما في حال عناد دياب وتمسكه بدستورية تكليفه بتشكيل الحكومة، وعدم رضوخه لابتزاز من اختاره، فإن عودة حكومة تصريف الأعمال برئاسة سعد الحريري سيصيب بدوره عصفورين بحجر واحد. فهو أولاً يستجيب لرغبة الرئيس نبيه بري ومعه حزب الله التمسك بالحريري في السلطة مع ما يمثله سنياً، وهو من جهة ثانية يستجيب لرغبة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي بإضعاف الحريري وكسره سياسياً، حيث أن عودة الحريري ستكون من بوابة تصريف الأعمال ودون صلاحيات كاملة.

أياً كان المخرج الذي ستقدم عليه السلطة للهرب من مأزقها، فإن أداءها يكشف أنها مازالت تعمل بالذهنية نفسها التي أوصلت لبنان الى الحضيض الذي يعانيه اليوم، ولا تهتم بالخناق الذي يشتد حول أعناق اللبنانيين، ولن يستغرق طويلاً حتى يصل لأعناقهم.

أـوّاب إبراهيم