أواب إبراهيم

يحصل أن يرتكب السياسي خطأ في تقدير الموقف، أو أن يزلّ لسانه في تصريح ارتجالي، أو أن يتم إحراجه من صحفي فيقول كلاماً غير مسؤول. كل هذا وارد الوقوع، خاصة في ظل التدني الملحوظ في مستوى الطبقة السياسية. كما أنّ من المنطقي أن يلجأ السياسي الذي وقع بالخطأ للاعتذار عمّا ارتكب، أو أن يتذرّع بأن كلامه تمّ اجتزاؤه من الوسائل الإعلامية للإساءة إليه، أو أن يزعم بأن كلامه فُهم على غير القصد الذي أراده. لكن أن تصدر عن مسؤول يفترض أنه يمثل صورة لبنان أمام العالم سلسلة من التصريحات والمواقف تنضح عنصرية وفوقية وتعصّباً طائفياً، ويستعيد أفكاراً كانت سبباً لاشتعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية، فإن ذلك يندرج على أقل تقدير في خانة الغباء والحمق.
في هذه الخانة بالتحديد يمكن إدراج أداء وزير الخارجية جبران باسيل، الذي لا يترك فرصة إلا ويسيء فيها لنفسه ولحزبه (للتيار الوطني الحر) الذي يرأسه، وللفريق السياسي الذي ينتمي إليه (8 آذار). ففي كل إطلالة إعلامية جديدة يُمعن باسيل في الوقوع بالمزيد من الأخطاء والإساءات، ويكشف جانباً جديداً من شخصيته المليئة كراهية، وتعصباً طائفياً مقيتاً.
آخر حلقات هذا الأداء كانت التغريدة التي كتبها باسيل على موقع تويتر، التي قال فيها «أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها، لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا». التغريدة هذه، شكلت خلاصة كلمة باسيل أمام المؤتمر الإقليمي الأول للطاقة الاغترابية اللبنانية الذي انعقد في الولايات المتحدة، حيث اعتبر أنه يرفض منح الجنسية لـ400 ألف فلسطيني، لأن «علينا معرفة أنه للحفاظ على لبنان لا بدّ من استثناءات»، تابع باسيل عنصريته، واستدرك أنه يجب شمول السوريين في الاستثناء «لأن بلدنا سيصبح فارغاً عندها من اللبنانيين». كان يمكن لنا أن نلتمس العذر لو أن موقف باسيل اقتصر على كلمته أمام المؤتمر الاغترابي، ونعتبر أنه تماهى مع الطروحات الطائفية التي عبّر عنها بعض المشاركين، لكن باسيل رفض أن نلتمس له أي عذر، وأوغل في تأكيد موقفه العنصري بتغريدة واضحة على حسابه الرسمي.
منذ بداية مشواره لم تظهر على جبران باسيل أي ملمح من ملامح النباهة أو الحنكة السياسية، وهو ما تجلّى بفشله في الفوز بمقعد نيابي، ويدرك الجميع أنه لولا مصاهرته العماد ميشال عون لكان مجرد موظف في بلدته البترون. كما يدرك الجميع أن الأزمة التنظيمية الداخلية التي يعاني منها التيار الوطني الحر، والتي أدت لخروج عدد كبير من كوادره المؤسسين والأساسيين من صفوفه، سببها الوحيد هو أداء الصهر المدلل. كل ذلك يمكن اعتباره شأناً داخلياً داخل التيار وبين أهله. لكن أن يصل مستوى الرجل إلى هذا الدرك من الكراهية والعنصرية والابتذال، في ظل كونه رئيساً للديبلوماسية ويمثل لبنان في الخارج، فهو أمر لم يعد بالإمكان إغفاله أو التغاضي عنه. المستغرب في هذا الشأن، هو الصمت المدوّي لحلفاء باسيل والتيار الذي ينتمي إليه، لاسيما من يطلقون على أنفسهم محور المقاومة والممانعة، الذين يرفعون لواء تحرير فلسطين ومساندة الشعب الفلسطيني في معركته بمواجهة الاحتلال، وكذلك مشاركتهم في القتال في سوريا إلى جانب النظام بدعوى حمايته من التكفيريين والإرهابيين. فكيف يمكن التوفيق بين مساندة الشعب الفلسطيني في حين أن حلفاءهم يتعاملون مع الفلسطينيين بهذه الفوقية والدونية ويرفضون مراعاة أوضاعهم الإنسانية، وكيف يبررون لحليفهم تصريحاته العنصرية تجاه اللاجئين السوريين، ولا يتجرأون أقلّه على انتقاده أو مراجعته في مضمونها؟!.
الصمت لم يقتصر على الحلفاء، حتى القوى والأطراف والأحزاب الأخرى كانت مواقفها إزاء تصريحات باسيل دون المستوى المطلوب، أما شعبياً فقد اقتصر الأمر على زوبعة غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي لم تجد لها أي أثر ملموس. 
يا فرعون مين فرعنك.. قال لم أجد من يردّني.