العدد 1494 /5-1-2021

مواقف مبدئية وشفافة ومثالية بعيدة عن المهادنة تضمّنتها الإطلالة الإعلامية الأخيرة لأمين عام حزب الله. السيد حسن نصرالله ذكّر اللبنانيين بأن عدوّهم الأوّل "الشيطان الأكبر" الولايات المتحدة الأميركية، وأن "إسرائيل" هي مجرد أداة للإدارة الأميركية، لذلك لايستقيم أن يعتبر فريق من اللبنانيين هذه الإدارة صديقاً، في حين أنها المسؤولة بشكل مباشر أو من خلال أدواتها الكثيرة عن ارتكاب جرائم لاتُحصى في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان وغيرها من الأقطار التي عانت ومازالت من السياسة الأميركية العدوانية الإجرامية. إلى هنا الكلام من ذهب.

لكن الخلل الذي وقع فيه أمين عام حزب الله دائماً خلال مقاربته للقضايا الانتقائية واختيار ما يناسبه من أحداث وإهمال ما عدا ذلك. ففي سياق التأكيد على إجرام الولايات المتحدة وهمجيتها ذكّر سماحته بما فعلته في أفغانستان بعد 11 أيلول عام 2000. وفاته ما ارتكبه الاتحاد السوفياتي (روسيا) في أفغانستان بعد احتلالها عام 1979، وارتكاب المجازر بحق الشعب الأفغاني، على مدى أكثر من عقد من الزمن، مخلّفاً أكثر من مليون قتيل من المدنيين، ونحو ثلاثة ملايين جريح ومعاق، وتشريد أكثر من خمسة ملايين أفغاني.

سماحته يدين الولايات المتحدة بكل ما فعلته من تفتيت وتدمير، لكنه لا يقارب احتلالها العراق، والإتيان بمعارضة مسلّحة تنضح طائفية وحقداً مدعومة ومموّلة ومدربة في إيران على ظهر الدبابة الأميركية لاستلام السلطة. السيناريو نفسه سعت إليه الولايات المتحدة في سوريا فأرادت الإطاحة بنظام بشار الأسد، لكن حزب الله وإيران واجهوا ما يعتبرونه "عدواناً أميركياً"، لكنه لم يكن كذلك في العراق. فالإطاحة ببشار الأسد بسبب ثورة شعبية مليونية مخالف للشرعية والقانون الدولي، أما الإطاحة بصدام حسين واستباحة العراق فلا بأس بذلك.

لا ضير من التذكير بجرائم الولايات المتحدة، ولكن ألا يتاح الوقت مطلقاً للإشارة ولو عرضاً للجرائم التي ترتكبها روسيا والتي كان آخرها قبل أيام في محافظة إدلب من قصف للمدنيين. ألا تستحق الجرائم التي ارتكبتها في الشيشان وقبلها في أفغانستان الإدانة، أم أن التنديد فقط من نصيب الولايات المتحدة. هل سها عن سماحته إدانة الجرائم والمجازر التي ترتكبها الصين كل يوم بحق مسلمي الإيغور. ألا تستحق معاناة مسلمي الهند الإدانة والاستنكار بسبب ما يتعرضون لها من إيذاء وملاحقة وقتل يومي منظّم تمارسه السلطة الهندوسية. هل من الإنصاف تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة والتغاضي عن جرائم الآخرين؟!. أم أن ما تفعله روسيا والصين والهند لاحاجة للإشارة إليه.

نكئ الجراح واسترجاع الاعتداءات التي مارسها الآخرون ليس أمراً مذموماً، لكن في بعض الأحيان يكون النسيان وتجاوز الأمور أفضل خاصة إذا مرّ عليها الزمن. ولو لم يكن الحال كذلك، لما تجاوز المسلمون في لبنان ما ارتكبته القوات اللبنانية بحقهم، من قتل وخطف على الهوية خلال الحرب الأهلية. ولما تجاوزت شريحة واسعة من اللبنانيين ما ارتكبه جناح الجيش اللبناني بعد انقسامه بزعامة ميشال عون خلال ما أطلق عليه "حرب التحرير" عام 1989 فدمّر بيروت "الغربية" وأهلك أهلها، ولما تجاوز الفلسطينيون في لبنان ما حصل خلال حقبة الثمانينات من قتل وحصار وتجويع وإذلال مارسته حركة أمل في المخيمات الفلسطينية بأمر من النظام السوري، ولما تجاوز أبناء بيروت ما ارتكبه حزب الله وحلفائه في 7 أيار 2008 من قتل وحرق وترهيب لخصومهم.

للولايات المتحدة سجلّ طويل بالمجازر والقتل والاعتداء، لكن الآخرين ليسوا أفضل حالاً. لذلك، من أراد نكئ الجراح واسترجاع ما مرّ من مآسي، فلينكأ كل الجراح ولا يختار ما يناسبه ويتغاضى عما يريد، لأنّ النتيجة حينها لن تعجبه حتماً.

أوّاب إبراهيم