العدد 1477 /8-9-2021

تشهد المغرب انتخابات نيابية وبلدية، ستحدد نتائجها مستقبل حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وما إذا كان سيترأس الحكومة للمرة الثالثة، أم سيكون مكوّناً ضمن التركيبة الحكومية، أم أنه سيعود لمقاعد المعارضة. حزب العدالة والتنمية الذي يصفه البعض بأنه الوجه المغربي لجماعة الإخوان المسلمين، وصل إلى السلطة للمرة الأولى بعد احتجاجات شعبية شهدتها المغرب خلال موجة الربيع العربي، ليستمر الحزب في قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، بعد تصدّره نتائج انتخابات 2011 و2016، في وقت تعرّض فيه الإسلاميون في أقطار قريبة للإقصاء والاستئصال. وجود إسلاميي المغرب في السلطة لا يسجّل في رصيدهم فقط، بل قبل ذلك في رصيد منظومة الحكم القائمة، التي رحبت بانخراط الإسلاميين في السلطة.

أياً كانت نتائج الانتخابات وما ستسفر عنه، فإن التجربة السياسية للإسلاميين في المغرب تستحق التوقف والدراسة. صحيح أنهم استمروا في السلطة لأكثر من عقد حتى الآن، لكن البعض يشير إلى أن هذا النجاح يعود إلى أنهم خسروا هذا الاستمرار مشروعهم ورؤيتهم ومبادئهم وكل ما كانوا يتميّزون به. فذابوا في السلطة وفقدوا معها أي خصوصية لهم، وباتوا كغيرهم من الأطراف السلطوية، يعملون على إنجاح رؤية منظومة الحكم لا رؤيتهم، ويروّجون لطروحاتها وأهملوا طروحاتهم الإصلاحية التي قدموها كمشروع انتخابي، ونالوا بسببها أغلبية أصوات المغاربة. ذوبان الإسلاميين في المغرب بمنظومة السلطة وتنفيذ أجنداتها تجلّى بتوقيع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني "الإسلامي" اتفاق التطبيع مع العدو الإسرائيلي نيابة عن دولته، رغم أن التطبيع مع "إسرائيل" يتناقض مع رؤية ومشروع حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه العثماني.

هذا الواقع أعاد إلى الواجهة طرح إشكالية طالما كانت محور نقاش: هل تهدف حركات الإسلام السياسي من عملها ونضالها وانخراطها في الحياة النقابية والسياسية الوصول إلى السلطة مهما كان ثمن هذا الوصول، أم أن الهدف من الانخراط في العمل السياسي هو نجاح المشروع الذي تحمله هذه الحركات ولو لم تصل إلى السلطة؟. وما هي الإضافة التي سيقدمها الإسلاميون إذا كان ممنوعاً عليهم طرح مشروعهم ورؤيتهم للإصلاح، واقتصر دورهم على الترويج والمساهمة في رؤية ومشروع الدولة العميقة؟.

هل يكون الإنجاز بوصول رئيس الحزب الإسلامي إلى رأس السلطة التنفيذية، لكنه لايحمل أي مشروع، أم يكون بأن يحمل الحزب الإسلامي مشروعه ورؤيته ويقدمها إلى الناس ويقنعهم بها ويستقطبهم إليها ولو لم يصل إلى السلطة؟ هل نجاح الإسلاميين يكون بمراكمة أعداد نواب لا طعم لهم ولا رائحة ولا نكهة، وظيفتهم التطبيل لقوى السلطة والتقرّب منها، وإطلاق تصريحات ومواقف لا تشبههم ولا تعبّر عنهم بل تروّج للآخرين، وتقرّباً منهم، وحرصا على رضاهم في سبيل الحفاظ على كراسيهم، والنجاح في الانتخابات المقبلة.

من المعروف أن الانخراط في العمل السياسي يرتّب تنازلات. ففي العمل السياسي لا مكان للمثالية والشعارات النظرية. فالعمل السياسي يتطلّب للبراغماتية وتقديم التنازلات، لكن ذلك لا يعني أبداً أن يخلع الإسلاميون ثيابهم وأن يتخلّوا عن مشروعهم في الإصلاح في سبيل وصولهم أو استمرارهم في السلطة. حينها ربما يكون من الأفضل لهم أن يتراجعوا خطوة إلى الوراء وأن يدركوا بأن الملعب ليس ملعبهم أقلّه في الوقت الراهن، ولينتظروا ظرفاً آخر يتيح لهم العودة للانخراط بالعمل السياسي وهم يفاخرون برؤيتهم ويرفعون مشروعهم لا مشروع الآخرين.

إعادة ضبط البوصلة كل حين مطلوب، فنجاح نواب إسلاميين بلا رؤية ومشروع لاقيمة له، طالما أن الهدف هو نجاح المشروع. وحين يشعر الإسلاميون أن وجودهم في السلطة بات "زيادة عدد"، يكون غيابهم أفضل.

أوّاب إبراهيم