العدد 1474 /18-8-2021

فضحت الأزمات الكثيرة التي يمر بها لبنان جشع وطمع وفساد قسم كبير من اللبنانيين، الذين يستفيدون من هذه الأزمات لجمع المال الحرام. وجوه كثيرة للفساد والأنانية التي كشفت عنها الأزمات، سواء التجار الذين يستغلون تأرجح سعر صرف الدولار لتسعير السلع على سعر الصرف الأعلى رغم انخفاضه، أو أصحاب المولدات الكهربائية الذين يطلبون مبالغ خيالية لقاء ساعات معدودة من التغذية بالكهرباء، عدا عن تذرع كثير منهم بعدم توفر مادة المازوت لتشغيل المولد في حين أنه يبيع حصته من المازوت المدعوم في السوق السوداء وبأضعاف سعره الحقيقي، أو أصحاب محطات المحروقات الذين يعيشون أياماً ذهبية، وبات العامل المهمل الذي كان يسارع لتنظيف الزجاج الأمامي للسيارة طمعاً بليرات معدودة، بات اليوم أمبراطوراً يستعطفه أصحاب السيارات كي يزيد من حصتهم المخصصة من البنزين لهم لقاء مبالغ وقدرها، أو أولئك الذين يتاجرون بالشيكات البنكية مستغلين حاجة البعض للسيولة، أو الذين يتاجرون بالدولار فيعتاشون ببيع وشراء الدولار مما يرفع سعره.

الجشع الفاقع الذي يبديه المستفيدون من الأزمة جعل شريحة واسعة من اللبنانيين يصبّون عليهم غضبهم وحنقهم ويتهمونهم بالفساد والسرقة والتسبب بكل المشاكل والأزمات وارتفاع الأسعار وفقدان السلع، متناسين أن السبب الرئيسي للانهيار الحاصل هو أداء السلطة وسياستها الاقتصادية وأداءها القائم على المحسوبيات. السلطة هي المسؤولة عن توفير الأدوية والسلع على رفوف الصيدليات والمحال التجارية، فلا يبقى للاستغلالي مكان للمتاجرة. السلطة هي المسؤولة عن توفير التيار الكهربائي فلا يبقى فراغ للمولدات وأطماع أصحابها. السلطة هي المعنية بتوفير المحروقات بوفرة في المحطات فلا تترك مكاناً لطوابير سيارات وسوق سوداء وتهريب وتخزين. الذين يستغلون حاجة اللبنانيين لمراكبة ثرواتهم فهؤلاء حتماً فاسدون وجشعون، لكن ما كان لهم أن يمارسوا فسادهم لو أن السلطة قامت بواجبها بمنع الاحتكار وداهمت مستودعات ومخابئ تخزين السلع المدعومة تمهيداً لبيعها في السوق السوداء أو لتهريبها خارج الحدود.

السلطة هي المسؤولة عن واقع اللبنانيين، سواء بإيصالهم إلى ما هم فيه من انهيار، أو من خلال عدم ضبط السوق وترك المواطنين عرضة لفساد وطمع وجشع التجار والمتاجرين بالسوق السوداء والقائمين على التهريب. هؤلاء الناس مجرمون بحق أهلهم وشعبهم وناسهم، هم ملامون ومسؤولون، لكن المسؤولية الأساس هي للسلطة التي سمحت لهؤلاء كي يقوموا بما يقومون به.

الجشع والفساد والأنانية ليست صفات مقتصرة على شريحة من اللبنانيين، هي فطرة البشرية كلها مجبولة عليها، ففي كل العالم فاسدون وجشعون واستغلاليون، لكن الفارق هو أن السلطة تقوم بضبطهم وقمع فسادهم. فلا يتجرأ فاسد على إبراز وفساده ورغبته في الإثراء غير المشروع على حساب حاجات الناس ووجعهم. لكن في اللحظة التي تغيب فيه هذه السلطة يتحوّل المنضبطون الملتزمون الصالحون إلى غوغاء سارقون قتلة يعيثون في الأرض الفساد، وقد شهدنا ظروفاً كثيرة في الدول المتقدمة التي طرأت عليها أحوال كشفت عن وجه آخر لشعوبها. فعمّت الفوضى، وشاعت السرقات والنهب والاغتصاب والقتل بين الناس. لذلك من الظلم تحميل الجشعين والفاسدين من التجار ومروّجي السوق السوداء والمهربين في لبنان مسؤولية ما آلت إليه الأمور. السلطة هي المسؤولة عن الوضع الحالي، وهي المسؤولة عن ترك الفاسدين والجشعين يستغلون الأزمة، وهي التي تساهم كل يوم بزيادة معاناة اللبنانيين من خلال تقاعسها عن التصرف كجهة مسؤولة عن إيجاد حلّ للأزمات.

الأسوأ من تقاعس السلطة وعجزها، هو أنها نفسها التي يفترض أن تقمع وتضبط وتعاقب هي نفسها مؤلفة من مجموعة من الفاسدين والاستغلاليين، فكيف ننتظر من سلطة فاسدة واستغلالية أن تكافح نفسها.

أوّاب إبراهيم